و عدا عن الجانب التربوي , فإن سماع القصص و قراءتها من شأنها أن تنمي ملكة الخيال و الإبداع في عقول الطلبة خصوصاً إن أنعم الله عليهم بالموهبة الأدبية و ما يتبعها من حاجة لا شعورية لإشباع هذه الموهبة و ممارستها , و هو ما يعيه المعلم عبد العزيز جيداً و هو الذي ينتمي إلى عائلة توارثت حب الأدب و موهبة الكتابة جيلاً بعد جيل . و قد أشار الأستاذ عبدالله النوري في كتابه " قصة التعليم في الكويت" إلى شغف عبدالعزيز بالشعر منذ أن كان طالباً لديه في القسم الخامس في المدرسة المباركية , هذا القسم الذي حبب إلى الأستاذ عبدالله آل نوري أن يسميه " قسم الأدباء " . و يعود السبب في التسمية كما ذكر الأستاذ عبدالله إلى قلة عدد الطلبة الذين يصلون إلى المرحلة العليا في التعليم في مدرسة المباركية و المتمثلة بالقسم الخامس حيث لم يتجاوز العدد يوماً السبعة طلاب من بينهم الشاعر فهد العسكر و الأستاذ يوسف العمر . و طالما تميز هؤلاء الطلبة بملكة علمية أدبية دفعت معلمهم الأستاذ عبدالله آل نوري إلى الاحتفاظ بمجموعة من كتاباتهم و منظوماتهم لسنوات طويلة . و من بين تلك الكتابات ما هو خاص بالطالب عبدالعزيز العثمان أثناء دراسته في المباركية عام 1346هـ الموافق سنة 1928م و المتمثلة في الأبيات التالية :
لاح لي كالنجم زاهر فوق أعواد المنـابر
منشداً لحنـــاً شجيـــاً ذاكراً فيه المفاخــر
يطرب الأسماع مني و به أنسى الخواطر
غن لي غن نشـــــيداً و أحي للعرب المآثر
و لا بد أن لهذا التشجيع الذي لقيه الطالب عبدالعزيز من معلمه الأستاذ عبدالله دوراً كبيراً في تشكيل شخصية المعلم التي نضج إليها عبدالعزيز لاحقاً . فبادرة الأستاذ عبدالله آل نوري المتمثلة بالاحتفاظ بأعمال طلابه لها الأثر الأكبر في تعزيز الثقة بالنفس لدى الطالب و دفعه للمضي قدماً في صنع مستقبله حتى و إن اختار الطالب الحياة العملية عوضاً عن المضي في التجربة الأدبية بشكل محترف . فالمعلم ليس بناقد أدبي لكن في قلب كل طالب يكمن هوىً هو المتنفس لديه للتعبير عن مكنونات نفسه بغض النظر عن مدى احترافية هذا الهوى و قدرته بالوصول بصاحبه إلى مصاف الأدباء و الشعراء و الرسامين و غيرهم . إذ يكفي أن يجد الطالب في معلمه احتراماً لأسلوبه في التعبير عن ذاته لأن هذا الاحترام في ذهن الطالب هو احترام لشخصيته و تفرده من شأنه أن يعزز ثقة الطالب بنفسه و بقدرته على الإبداع و العطاء في أي مجال يختار . حتى إذا ما كبر الطالب و دخل معترك الحياة بحلوها و مرها ظل هذا الهوى هو المتنفس و الصديق و الذكرى التي يلجأ إليها .
فها هو المعلم عبد العزيز يخصص جزءاً من دفتره لتدوين مجموعة من قصائده التي كتبها في شبابه و التي استهلها بكتابة الأسطر التالية :
" بسم الله و الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسوله الأمين محمد و على آله وصحبه أجمعين أما بعد فإني أرقم ما اقترحته فكرتي في إبان شبابي من الشعر و أنا الضعيف و هذه الأبيات هي أول ما اقترحتها و ها هي "
و عند قراءة هذه المجموعة المدونة يتضح لنا ما كان يؤمن به من مبادئ و أفكار و توجهات ثقافية . فقد كتب قصائده في فضائل العلم و المدرسة و الصدق و حب الوطن , و في الضفة الأخرى هجا الجهل و الظلم. كذلك تضمنت مجموعته عدداً من القصائد ذات البعد السياسي منها قصيدة في رثاء سعد زغلول باشا و قصيدتان فيما " أصاب الشرق من انحطاط و تدهور" . أيضاً هناك القصائد التي تتولد من قريحة الشاعر عند تفاعله مع حدث ما قد يكون اعتيادياً إلا أنه يلهم الأديب و يدفعه للاحتفاظ بتلك الذكرى العابرة في ذاكرة الزمن كما فعل عبد العزيز في قصيدته القصيرة " في الشكوى من الحر " و التي يقول فيها :
هجم الحر علينا هجمــةً فرقت أجسادنا يوم الأحد
جعلت أجسادنا سائلــــة يا لها من هجمة ذات نكد
صيرت أفكارنا جامــدة جاءنا منها فتور في الجسد
قلبت رؤوسنا من حرها قبضت نفسي و صرنا في كبد
سالت الأجساد من ماء بها كل هذا كان في يوم الأحد
ثم هبت نفحة من قبلة أطلقتنا كلنا من ذا الكمد