صاحب الفضيلة

 

 

 

 

من وقت إلى آخر تعلو أصوات تتوعد الحكومة بالويل والثبور إن لم تخضع إلى ما يعتقدون أنه الصواب والحق، ناسين أو متناسين أننا نعيش في دولة مدنية ذات تعدد واختلاف فكري ومذهبي، وأن الكل بما لديهم فرحون. فيبقى، وحتى نحافظ على وطننا واستقرار أمرنا، أن تكون الحكومة قوية بما فيه الكفاية لكبح جماح كل من كان ذا توجه فكري إقصائي، ودعونا نأخذ مثلا بسيطا ومن كل اتجاه. فمن يرى أنّ الموسيقى حرام، وأنه يجب منع الحفلات، نقول له هذا التحريم خلافي بين المذاهب، فهناك من يرى أنها حلال، ولا يمكن لك فرض معتقدك على الآخرين. وهناك من يرى وجوب إحياء ذكرى معينة ويشغل الميكروفونات بأعلى صوت فأيضاً هذا لا يجوز، فقد يكون لكم جيران يؤذيهم الصوت العالي. ومن يحاضر بمنطق إلحادي هم أيضاً على خطأ، فنحن مسلمون، يعني المساحة كبيرة للفكر الليبرالي، لكن ليس لدرجة الدخول في ثوابت المجتمع، فكل تطرف مرفوض، ولكل من يدعي انه صح والبقية خطاءون أقول له استرح ترى ما عندك سالفة! والمشكلة عندما تتحول تلك الأفكار إلى أدوات سياسية تحكم فيها الشعوب فيصبح البعض من المفكرين ورجال الدين أداة ووعاظا للسلاطين، كما يقال «يفتون لهم بما يشاؤون»، وكون العرب – وبشكل عام – شعبا لا يقرأ، يعني الكتاب والبحث ليس من أولوياتهم، سيصبح من السهولة بمكان تجييشهم.

وأعطي مثالاً آخر بتلك الأحكام التي صدرت بحق مقتحمي مجلس الأمة وأسأل: كم واحد من الشباب المحكوم عليهم كان يعي حينها أن ما قام به جريمة يعاقب عليها القانون؟ وكم منهم عرف أن ذلك الحراك قد يقوض أركان الدولة؟ وهل كانوا سيقبلون أن تتحول الكويت إلى ساحة فوضى؟ لا والله، فهؤلاء الشباب ضحية من أفتى لهم. وسأعطيكم مثلا من تجربة شخصية. فقبل سنوات اختلفت مع مؤسسة، حيث ارتأيت أن ما تقوم به مخالف للشريعة، فنصحني صديق وقال أعرف أحد أصحاب الفضيلة، «خلنا نروح له ونسمع منه». وفعلاً التقينا به في منزله وشرحت له الموضوع واستغربت جوابه، فصاحبنا قال «عندك خمسين ألفا تصرفها على مؤتمر؟» قلت «شلون!» رد علي «أحل لك المشكلة، نسوي مؤتمر وندعو له مشايخ ونجعل هذا السؤال من ضمن أوراق البحث ونطلع لك فتوى تستعملها ضد تلك المؤسسة»، قلت «ليش هذي اللفة انت شخصية معروفة ويكفي تكتب مقال أو تذهب لهم من باب المناصحة». فضحك صاحبنا وقال: «هذا شغلنا». قلت له مشكور ما عندي فلوس لك!

القصد أنه كان بإمكاني توظيف صاحب الفضيلة هذا لتجييش جموع المسلمين ضد مؤسسة اختلفت معها فكرياً.

وتسلمون.

 

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثاني عشر من ديسمبر عام ٢٠١٧ (الرابط الالكتروني)

صاحب الفضيلة Pdf

 

عدد الزائرين:

119 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr