عين النقرور

 

 

المثل الكويتي يقول «من أكل عين النقرور ما يتعدى باب السور»، وهالمثل صحيح، بس شلون؟ لكم عندي حزاية صجية. من خمس وعشرين سنة كان معنا زميل أميركي اسمه جون كارلو دخل الكويت صغير السن، وعمل بالمصرف ذاته الذي عملت به، وتدرّج في المناصب حتى تم ترشيحه لمنصب كبير المديرين العاملين. إلا أنّ البنك المركزي، وبذاك التاريخ، رفض ترشيحه بحجة أنّ شهادته ليست جامعية. المهم سألته ما العمل الآن؟ أجابني بوجود عرض آخر في أميركا أفضل من عرض الكويت إلا أنه حزين على ترك الكويت، ويقول إنه أصبح كالضب لا يستحسن الحياة إلا تحت الشمس المحرقة. استغربت الأمر، أميركي وعنده خير، لا وعزوبي بعد، وزعلان على فراق الكويت! رحل جون إلى قومه وظلت كلماته تتردد على مسامعي كلما رأيت أجنبياً يطيل المكوث في الكويت، وكنت أتساءل: هل هي الحاجة أم أمر آخر؟ إلى أن جاء لقائي بدان، كبير المعماريين الذي تولى تصميم البروميناد مول، وهو أميركي وزوجته شيكا اليابانية. وكنّا على عشاء ولم يمض على بقائهم في الكويت ثلاثة أشهر، فسألته عن الكويت، والإجابة أتت من شيكا «لأ. أتينا من سان فرانسيسكو ولدينا بيت جميل وسنعود إليه حال الانتهاء من تصميم مشروعكم». حدها مالها خلق الكويت وما عقّبت على كلامها واكتفيت بابتسامة وتوجهت بالحديث إلى زوجها وأبلغته بأنّ «عندك ثلاثة أشهر أخرى قبل أن يتعلّق قلبك بالكويت نهائياً». وحين قاطعت شيكا الحديث اعتراضاً قلت لها «على كيفك بس لا تاكلين من عين النقرور»، وتحوّل حديثنا نحو المثل الكويتي. ومرّت سنوات، ورحل دان وشيكا إلى حضن منزلهما الجميل، وحصلت شيكا على عمل وكذلك دان، ولكن المشكلة أن من ذاك التاريخ وإلى اليوم يتصل بي دان راغباً في العودة إلى الكويت، سبحان الله! رجل ثري ويعمل في أكبر دور العمارة في أميركا لمَ يود العودة إلى الكويت؟! فأجابني: في الكويت وجدنا الراحة النفسية ووجدنا الحياة الحلوة والمجتمع الكويتي المضياف، وأنّ شيكا هي الأخرى افتقدت ديوانيتها النسائية التي افتتحتها للجالية اليابانية في الكويت. ويكمل دان: منذ عودتنا سرعان ما دخلنا في دائرة الاكتئاب والملل ولم نخرج منها حتى الآن. يبدو أننا أكلنا من عين تلك السمكة التي أخبرتنا عنها ويا ليتنا لم نأكلها ورحلنا قبل أن نعشق الكويت.

خلاصة الحزاية، إنّ الكويت بها من السحر والمحبة والمودة والجمال ما هو مخفي وراء الصراعات المصطنعة والتذمر الناتج عن كثرة الخير والراحة.

فيا أهلي، ديروا بالكم على وطنكم فكلكم قد أكلتم من عين النقرور وليس لكم غير الكويت وطن.

وترى النعمة زوالة.

 

عدنان عبدالله العثمان

 

 

المصدر: جريدة القبس ١٣ أغسطس ٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني )

عين النقرورPdf

 

عدد الزائرين:

145 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr