عقاري ثلاث 

 

 

 

 

إن كُنّا نطلق على العقار الاستثمار الآمن، فلم نره السبب الرئيسي في الأزمات المالية؟ فاليابان وبعد ثلاثة عقود ما زال اقتصادها يعاني من الأزمة المالية الناتجة عن انهيار سوق العقار، والأزمة المالية لعام 2007، التي عصفت بالعالم بأكمله أساسها كان العقار في أميركا، والوضع ليس بأفضل في اسبانيا؟ والسؤال هو: متى يكون العقار خطراً على المستثمر وعلى المؤسسات المالية واقتصاد الدول؟ بحقيقة الحال العقار بريء من تلك الأزمات، لأنها تبدأ من البنوك، عندما تزداد السيولة لديها، وتبدأ بمعاملة العقار معاملة المنتجات المالية، من خلال برامج تمويلية لا تصح إلاّ للأسهم ومشتقاتها. فالعقار صعب التسييل، وإجراءات بيعه تأخذ وقتاً طويلاً، كما أن لكل عقارٍ صفة تختلف عن الآخر، فعليه لا يمكن زجه تحت مشتقات تتداول كالأسهم. وتلك الاختراعات نتجت عن جشع بعض المؤسسات المالية التي انهارت بين ليلة وضحاها، ولولا تدخل البنوك المركزية في العالم وبرامج الإنقاذ، لما بقي اسم منها الآن. وقد كنت عميلاً لدى احد تلك البنوك الأميركية، وكانت السيدة المديرة في ذاك البنك تزور عملاءها بشكل دوري، تبيعهم ما تستطيع من منتجات بنكها العظيم. وفي إحدى زياراتها أبلغتني عدم رضا إدارتها عن حجم الحركة بحسابي معهم، فأبلغتها أني تاجر تقليدي، يعني أشتري اللي افهمه فقط. كما أن المنتجات المرتبطة بالمشتقات المالية ما هي إلا نوع من القمار وليس الاستثمار، والأخطر منها ما تسوقونه من منتجات عقارية مآلها إفلاس مصرفكم. طبعاً الكلام حيل ما عجبها، وقالت بنكنا العظيم سعر سهمه 55 دولاراً، وهو الأكبر في العالم. وبعد أشهر قليلة انهار البنك العظيم، ونزل سعر سهمه إلى دولار واحد. زارتني هذه السيدة، ولم أخف ابتسامتي العريضة، وقالت نحن هنا في رحلة تطمين لعملائنا، فقاطعتها أن لا حاجة لها لتطمئنني، فأنا خارج السوق أصلاً، وها هو رئيس دولتكم يزور الخليج ليقنع قادته بالاستثمار في هذا المصرف التعيس. هذا أيضاً ما حدث في اسبانيا، حيث قام مطورو العقار، وبتمويل غير مدروس من قبل المصارف، ببناء آلاف الشقق والفلل والمنتجعات السياحية. لا بدافع الطلب بقدر ما هو بسبب توفر سيولة لدى المصارف، وعدم التزام اغلب القائمين عليها بالأسس والقواعد المصرفية السليمة، وقيام المطورين ببيع المشاريع على المخطط، وقيام البنوك بنفس الوقت بتمويل المشترين، يعني كسرا مضاعفا. وها هي الدولة دعماً لتلك المصارف التعسة تبيع إقامتها الدائمة من خلال الفيزا الذهبية، لمن يشتري عقاراً بقيمة نصف مليون يورو، ونلاحظ أن الأزمة سميت بأزمة الرهن العقاري. فالأزمة إذاً تكمن بالرهن، لا العقار.. ولكن ما حال المستثمرين الابرياء؟!

والحكمة في المقال القادم.

 

عدنان عبدالله العثمان

 

المصدر: جريدة القبس ١١ / ١١ / ٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني )

 

عقاري ثلاث Pdf

عدد الزائرين:

171 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr