بوحسن

 

 

 

بائع البرد أو الآيس كريم اعتدنا على رؤيته من أيامنا في مدرسة الابتدائي، ونسمعه من الصف، وهو يصيح: «برد برد»، فننتظر على أحر من الجمر إعلان الفرصة لنهرع نحو بوابة المدرسة الحديدية ونتزاحم على فتحاتها الجانبية لشراء الآيس كريم، ينافسه علينا صاحب البقالة المجاورة ليبيع بضاعته من كاكاو بوعشرين وخد البنات. وكاكاو بوعشرين لمن لا يعرف هو الكت كات، وكان سعره أيامنا عشرين فلساً، فاكتسب تسميته الشهيرة.

وكذلك «خد البنات» القطع الخمس منها بعشرين فلساً، والقطعة الواحدة خمسة فلوس، يعني تأخذ أربعاً بعشرين تطلع لك وحدة «ببلاش». وتجد معهم بياع السمبوسة الهندي، يبيعنا بضاعته وينادي «سمبوسة حار»، والواحدة منها كذلك بعشرين فلسا. وبغض النظر عن نظافة ما يبيع بكرتونه المشرب بالزيت، إلا أن سمبوسته هي الألذ.

وكانت الحكومة في ذاك التاريخ تقدم الوجبات الصحية للطلبة وتمنع البيع التجاري داخل المدرسة إلا من المشروبات الغازية، فكان المقصف يبيع الكراش والكندردراي والصباح والكولا والكل بذات التسعيرة بعشرين فلسا. مصروفنا اليومي البالغ مئة فلس يكفينا، ويزيد.

ونعود إلى بائع البرد الذي حتى يومنا هذا نراه بكل ضواحي الكويت، وبنفس الشكل القديم بدراجته ذات العجلات الثلاث ويتنقل من مكان لآخر. كنت وما زلت أشفق عليه من وضعه، وأتساءل إن كان يعمل موظفاً لدى الشركات المنتجة للآيس كريم أو وفق نظام العمولة. بكلتا الحالتين لا أدري ما يمنع تلك الشركات من تطوير عملية البيع، وتزويد البائع بدراجة نارية مكيفة تقيه عناء التنقل من عمله وإليه وتقيه تقلبات الجو وتزيد أيضاً من قدرته على التسويق وبيع منتجاتها. وكنت قد تعرفت على بوحسن منذ عشرين عاماً، أراه يصلي معنا في المسجد تاركاً دراجته بالخارج برعاية الله، وألتقيه صلاة الجمعة في مسجد آخر، فأصبح صديق المسجد، وبيننا السلام دائماً لا ينقطع إلا شهر رمضان، حين يسافر إلى أبنائه الاثني عشر. هو رجلٌ مكافح إضافة إلى كونه إنساناً مثقفاً، فوجئت بمتابعته لمقالاتي في جريدة القبس وتعقيبه عليها. لكن ولأول مرة أتلقى منه اتصالاً هاتفياً ليطلب على استحياء مبلغاً بسيطاً، فالمبيع قليل ولم يستطع تجميع رسوم تجديد الإقامة، وعلمت منه ما آلمني فعلاً، وهو أن كل رسوم الإقامة تسجل على العامل المسكين. 

وهنا، وبهذا المقام أقول لكل أصحاب العمل الذين يخالفون القانون، وقبل القانون يخالفون الشرع وقواعد الرحمة عيب عليكم وكفاية جشع وطمع ومتاجرة بأرزاق هؤلاء المساكين، ويا خوفي أن يعاقبنا الله بذنبهم ونفقد وطننا الذي حفظه الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ ببركة رحمة أبنائه، ونصبح يوماً بعد أن ضاعت الرحمة من قلوبنا ـــ لا سمح الله ـــ بحال بوحسن أو أسوأ.

 

عدنان عبدالله العثمان

المصدر: جريدة القبس ٧ يناير ٢٠١٦ (الرابط الالكتروني) 

 

بوحسن Pdf

عدد الزائرين:

123 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr