سوق المباركية (٢)

 

تطرّقت في المقال السابق إلى علاقتي مع سوق المباركية. ونكمل مع قبولي مهمة مشروع تأجير السوق نيابة عن الشركة المستثمرة وبتكليف من مجلس إدارة المصرف الذي عملت به. وكان أصعب ما في المشروع التعامل مع أصحاب المحلات السابقين الذين توارثوا محالهم أباً عن جد.

فهناك أسواق الخضرة والسمك واللحم والتمر ومحال التجزئة، وهم مجموعة من الناس البسطاء، وجل قلقهم وخوفهم أن تؤول محالهم الى من لا حق له فيها. وقد حددت ساعات عمل ما بعد العصر لاستقبال الطلبات والإجابة عن الاستفسارات، وأقمت سدّاً حديدياً أمام أي واسطة أو محاولة للتعدي على حقوق هؤلاء الناس، خصوصا من صاحبنا المدير «اللي الود وده ياكلهم بقشورهم». وتم تنفيذ خطة التأجير والقرعة بفترة قياسية ونجاح كبير، والكل أخذ حقه وطلع مبسوطا. والنتيجة أن البنك استرد ما له من حقوق تجاه الشركة، والشركة تسلمت المشروع وهو مؤجر بالكامل ومدر للدخل، وأصحاب الدكاكين القدامى أخذوا حقهم من دون نقصان. هذا المشروع وطريقة تصميمه وآلية تنفيذه يعتبر نموذجا ناجحا لمشاريع الخصخصة، التي لها أن تخرج الدولة من عنق أزمة عجز الميزانية من دون إثقال كاهل المواطن بالضرائب وغيرها من الرسوم، وتجعل الكويت أجمل وآنس وجهة سياحية وعائلية.

ونعود الى قصتنا، فقد حصل البنك على عمولة كبيرة من الشركة مقابل الإدارة، وجاء وقت الحساب، ولم أجد صعوبة بصرف المبلغ الذي خصص للعاملين في المشروع. وكان المجلس كريماً وصرف لي مبلغا مقطوعا نظير قيامي استثناء بتلك المهمة. المهم وحتى لا نطيل، نهاية العام جاء صاحبنا المدير، وكان «حده فرحان» وبشرنا بأن البنك قد قرر صرف «بونص» خاص للقياديين، «بس» صاحبنا كمّل بشارته لي: «بس ترى احنا خصمنا من بونصك المبلغ اللي استلمته على إدارة وتشغيل سوق المباركية». استغربت الكلام، وقلت: لو افترضنا جدلاً أني أصررت على موقفي ورفضت الخوض في مشروع المباركية، فهل كنت سأحصل على كامل البونص؟ فأجاب: نعم. فالتقيت رئيسه الذي أجاب: صاحبك المدير هو من أصر على هذا الإجراء بداعي اعتقاده انه كان بالإمكان الحصول على أرباح أكبر من سوق المباركية، لولا شروطك المسبقة. ولم يحزنني الأمر، بل ازددت فخراً فقد عملت صالحاً بحق هؤلاء البسطاء أصحاب الحقوق، ويكفيني حين دخلت السوق مع ابنتي ورأيته عامراً شعرت بالسعادة أنْ كان لي، ولو دورا بسيطا في نجاحه. وهي سعادة لا يمكن لصاحبنا المدير أن يشعر بها فهذا شعور حصري لا يمكن لمن يقيسون السعادة بالمال الشعور به. نالت القصة إعجاب ابنتي وسترويها لأبنائها كلما ذهبت الى هناك.

عدنان عبدالله العثمان

 المصدر: جريدة القبس ٢١ مارس ٢٠١٦ (الرابط الالكتروني)

سوق المباركية (٢) Pdf


عدد الزائرين:

280 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr