نشأ المحسن عبدالله عبداللطيف عبدالله عثمان بن أحمد محمد أحمد بن عثمان في أسرة ترجع أصولها إلى العماير من قبيلة بني خالد في الجزيرة العربية وبالتحديد منطقة الإحساء ، وقد هاجر جده عثمان من مدينة المبرز في الإحساء تاركاً والده في فريج السياسب هناك حيث رحل للكويت تاركاً زوجة له في الإحساء وزوجة أخرى في البحرين في أوائل القرن التاسع عشر ، وتشير السجلات التي بين أيدينا ومنها على الأخص الوقفية المؤرخة في ربيع الثاني عام 1287 هجري والوقفية المؤرخة في عام 1294 هجري والموقعتين من قبل الموثق محمد ابن عبدالله العدساني إلى عثمان بن أحمد العثمان قد قام ببيع منزل له إلى زوجته شريفة بنت صباح والتي قامت بدورها بوقف البيت على ابنها عبدالله وأخواته فاطمة ومريم ولولوة أبناء عثمان.
ولا تقتصر ملكية عثمان في الكويت فقط إذ أن له وقف في الإحساء أوقف على أبنائه من زوجته هناك وما زال الوقف قائماً إلى يومنا هذا ويدار من قبل أحفاده أحمد وعلى العثمان من مدينة المبرز في الإحساء. وهم جزاهم الله خيراً مازالوا كل عام يحضرون إلى الكويت لإهداء أبناء عمومتهم في الكويت ما جاد به الوقف من تمور وهذه عادة لم تنقطع منذ قيام هذا الوقف هناك.
وعثمان أيضاً له زوجه وأبناء في البحرين إلا أن الله عز وجل لم يقدر لذريته أن تستمر هناك بعد غرق ابنه علي و حفيده عثمان وزوج أخته لولوه في البحر أثناء خروجهم للغوص في مغاص الديبل في مأساة الطبعة عام 1923. وبما أن كلاً من لولوه وعثمان لم يرزقا بأي أبناء فقد انقطعت سلالة آل عثمان هناك في البحرين. ووفقا للسجلات التي بين أيدينا لم نتمكن من الاستدلال على تاريخ قدوم عثمان بن أحمد العثمان ولكن الثابت لدينا أن التجارة هي سبب حركته المستمرة من الإحساء إلى البحرين ومن ثم الكويت.
هذا ولم يستدل على أي معلومات تتعلق بعبدالله ابن عثمان بن أحمد العثمان سوى أن له ابن واحد وهو عبداللطيف وابنتين إحداهما شريفه والثانية حصة ، أما عبداللطيف والد كل من عبدالله وعثمان ومحمد وعبدالعزيز وله من البنات سارة وشيخة و عائشة وموضي وطرابة ولطيفة وهم من ثلاثة زوجات وهن منيرة حماد العميري و حصة بنت محمد الحبيشي وفاطمة القصيبي.
ولعبداللطيف تاريخ حافل بالتجارة وذلك حسب السجلات المحاسبية النادرة التي تحت أيدينا والتي يعود تاريخها لأكثر من (100 عام) ، ومـن ضمن المستندات حكم إفلاس موقع من قبل القاضي/عبدالعزيز قاسم حمادة المؤرخ في شهر رجب عـام1354 هجري حيث حدد ما ثبت عليه من دين بمبلغ ("..أربعة آلاف ومائة وثلاثة روبيات..") وتم حجز موجوداته والتي حضرت في منزل له ومحل وقارب غوص شراعي. وللمرحوم/عبداللطيف سجلات محاسبية فريدة من نوعها حصرت كافة تعاملاته مع الغير في الكويت والإحساء والحضر والبدو حيث كانت تجارته تمتد إلى المواشي والصوف والجلود والحبوب بالاضافة إلى ملكيته إلى قارب الغوص كما هو ثابت في المستندات .
وقد أنجب عبداللطيف كلا من رجل الاحسان عبدالله والملا عثمان الملا محمد و الأستاذ عبدالعزيز وقد أحسن تربية أبنائه وتثقيفهم حيث أظهروا تميزاً في العلم والمعرفة.
وإذا كنا نركز من خلال هذه السيرة على رجل الاحسان عبدالله ، فإنه قد ولد في العقد الأخير من القرن التاسع عشر للميلاد في حي الوسط بسكة ابن دعيج حيث كان منزل والده المرحوم/عبداللطيف ، وكان مولده إيذاناً بدور جديد يمارسه عبر سني حياته ، ومراحلها المختلفة. فقد كان منذ صغره شعلة من النشاط ، يلتقط المعلومة بذكاء متوقد ، يلفت الانتباه إليه ، وقد تتلمذ المرحوم على يد كتاب ذلك الوقت ومن ثم المدرسة المباركية ، ونظراً لنبوغ كل من شاعرنا وأخيه الملا عثمان بعلم الحساب والفقه فقد رشحا للتدريس بنفس المدرسة ولم يتجاوز سنهما العشرين.
وبعد سنوات قرر الأخوة الأربعة فتح مدرسة لهم يدرس بها علم الفقه والحساب واللغة العربية ، وكان لهم ذلك ، وافتتحت مدرسة العثمان. في أواسط الثلاثينات من القرن الماضي , و للاطلاع على دراسة تفصيلية لتاريخ مدرسة العثمان فقد تم إعداد و إصدار كتاب يحمل عنوان " رؤية تاريخية تربوية في أوراق مدرسة أهلية كويتية " و قد أدرجنا لمتصفحينا الكرام نسخة من الكتاب على موقعنا ضمن قائمة متكاملة ليستفيد منها كل باحث في تاريخ الكويت و أهلها .
وأيضاً لدينا سجلات محاسبية نادرة تبين حركة الإيرادات والمصروفات لهذه المدرسة وقد ترك المرحوم عبدالله العثمان التدريس والتحق بالعمل الحكومي حيث التحق ببلدية الكويت إلى أن عُين مديراً لها عام1948 بالإضافة إلى إمامته لمسجد قصر نايف والتي استمرت حتى وفاة المرحوم الشيخ/عبدالله الأحمد الصباح.
وتـرك المرحوم/عبدالله العثمان الوظيفة وافتتح مكتباً عقارياً في المرقاب ليتاجر في العقارات ، بروح تجارية سمحة وكرم كبير نابع مما عاشه في إحدى مراحل حياته من ضيق ذات اليد. فصاحب الحاجة بعدما فتحت له الدنيا ذراعيها كانت أول صفقة كبيرة له هي شراء كامل أرض خيطان والفروانية وذلك عام1952 وذلك بمبلغ (700 ألف روبية) إلا أن هذا العقار كان محملاًً بحقوق للغير سواء بالهبة أو وضع اليد من قبل البدو القاطنين خارج سور الكويت. وما كان من المرحوم إلا أن أعاد لكل مدعي ما ادعى به سواء كان ذو حق أو ذو حاجة مما أفرح الكثيرين ، فقام بتسجيل ما لهم من حقوق وساهم من ماله لتسوير ما لهم من أراضٍ حفاظاً لها من الضياع حيث إن النظام المساحي في ذاك الوقت لم يكن بالدقة التي نراها الآن. كذلك وكان يقبل بإرجاع ما باع الغير وإرجاع الثمن لهم إن لم يستطيعوا التصرف في العقار ويقبل البيع مع الأجل ومن لم يستطيع الدفع كان يقبل بإرجاع العقار ومسامحة المشتري من ثمن المبيع ، وبنى أول مسجد له هناك.
بمثل هذا الخلق الكريم استطاع عبدالله العثمان أن يخلق سوقاً عقارياً نشطاً مبني على التسامح والكرم والأخلاق ، ليكرمه الله بثروة مالية كبيرة وسمعة طيبة ، ولم يدفعه الثراء إلا إلى مزيد من الكرم فكان يقدم التسهيلات الكبيرة في الشراء والبيع لكثير من التجار وبسطاء الناس مما أسهم في خلق سوق عقاري نشط رافق تدفق الثروة النفطية في البلاد.
وقد لعب ما تحلى به المرحوم/عبدالله العثمان من بعد نظر واستشراف للمستقبل دورا محوريا قصة نجاحه إذ رأى أن بلاده مقبلة على فترة ستتوهج فيها التجارة خصوصاً في مجال العقارات. فأخذ يشتري في المناطق النائية خارج سور الكويت القديم وبأسعار زهيدة فاشترى كامل منطقتي الفروانية وخيطان حيث كانتا في ذلك الوقت صحراء قاحلة لا يسكنها أحد سوى قليل من البدو الرحل.
وكانـت تلك الصفقة محل تنـدر من قبل زملائه ، حيث لم تكن لهذه الأرض أية قيمة إلا أنه ظل ثابت العقـل لم يهتـز مـن هذا التندر لأنه يرى ما لا يراه الآخرون بل إنه كان من أولئك الناس الذين أقامـوا منازلهم خارج السور في منطقة النقرة تحديـداً مما شكل دافعاً قوياً للآخرين لاعمار هذه المنطقـة حيث تزامن ذلك مع تدفق الثروة البترولية وقدوم الجاليات العربية سواء أكان ذلك للعمل أم بسبب حـرب فلسطيـن 1948 مما استدعى مزيداً من الطلب على الوحدات السكنية التي استوجبت نشاطاً معمارياً استثنائيا.
في هذه المرحلة من حياته نجد أن الله عز وجل قد منَ بوافر نعمه على هذا الرجل الخير ، فما طغى واستكبر بل سجد لربه حامداً شاكراً باسطاً يديه. ففتح ديوانيته لعامة الناس من الفقراء والمساكين دون من أو استعلاء. ما سد بابه أمام طالب حاجة إلا قضاها فسدد ديون من لجأ إليه ، ومنح من كان في عسرة ما يكفيه تاركاً وقت السداد لحين ميسرة. إنها سماحة الخلق ، سماحة السلوك ، والعاطفة الجياشة في حب الناس ، التي لا تنبع إلا من روح شاعر أوتي الحكمة.
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم لم يبن ملك على جهل وإقلال
نعم لا يبنى المجد مع الجهل والبخل.....فقد بني عبدالله العثمان مجده على ركيزتي العلم والمال فقد كانت مجالسه في ديوانيته ندوات أدبية ، وأحاديث دينية وعلمية ، أخصبت في نفوس الناس محبة وتقديراً ، وزادته رضا عما يفعل أملاً في رضا الله سبحانه وتعالى وبالقدر الذى كان به المرحوم مغرماً بعمل الخير فقد كان مغرماً ببناء المساجد ، حيث قام بإعمار ثلاث مساجد في الكويت أكبرها في منطقة حولي ، والآخران في منطقتي خيطان والعقيلة. وكذلك له جامع في دمشق يعد الأكبر والأجمل بعد الجامع الأموي ، ومرفق بالجامع مستشفى خيري ومدرسة إسلامية ومجمع تجاري كبير أوقف ريعه للصرف على صيانة المسجد ومصاريف المستشفى والمدرسة ، فقد كان المال عنده وسيلة لا غاية وكان لا بد لهذه الثروة المتدفقة عليها من كل جانب أن يرضي بها ربه....فلم يقتصر نشاطه على أرض الكويت وأهلها فحسب ، بل امتد خارجها حتى وصلت اعطياته إلى سوريا ولبنان ومصر والجزائر والجزيرة العربية مما جعل الناس يطلقون عليه (( المحسن الكبير )).
وممـا ترك المرحوم في سجـل أعماله مسجدين فـي لبنان أحدهما في مصيف بحمدون والآخر في مدينة صيدا ، وجامـع في البصرة وآخر فـي الزبيـر في الجمهورية العراقية إلى جانب مساهماته الفعالـة في بنـاء المساجد في شتى بقاع الأرض. وكله ثابت في سجلاته المحاسبية.
وإن كان لكل انسان ذكرى تلخص كل ما آمن به من مبادئ في الحياة فإن الذكرى التي ترافق المرحوم أينما حل ذكره هو ما كان منه حينما أراد بناء مسجد بحمدون في لبنان وهى قرية مسيحية محاطة بقرى من الطائفة الدرزية والتي هي من المناطق المحببة للكويتيين توجه بطلب رخصة البناء ليواجه حينها بكثير من التردد من الجالية المسيحية والذي كان من شأنه أن يعرقل العمل في بناء الجامع لما قد يسببه من حساسيات طائفية. وفى سبيل بناء الجامع الأول بالتاريخ في جبل لبنان ارتأى المرحوم بحكمته أن يسير في درب التسامح والمحبة الذي هو جوهر الإسلام ورسالته ، فقام بترميم كنائس ورعى دور أيتام للجالية المسيحية ومن تلك الكنائس والتي ما زالت قائمة كنيسة الكحالة في عاليه. وبعد أن رأى أهل المنطقة من هذا الرجل ما تطمئن له قلوبهم كان له ما أراد وتم بحمدالله وفضله بناء الجامع...إلا أن وبعد تدشين الجامع بدأ بعض الأهالي بالشكوى والامتعاض من صوت الأذان فكانت مقولته الشهيرة اشتري وبضعف الثمن كافة العقارات المحيطة بالجامع وإلى مد الصوت فتحقق له ذلك حيث وصلت ملكيته في جبل لبنان إلى ما يزيد عن (2 مليون متر مربع) ولم تكن تلك الحادثة هي الوحيدة في حياة المرحوم التي تتجلى فيها ثمار التسامح والمحبة إذ يجدر الإشارة إلى أن أرض مسجد صيدا كانت إهداء من شخص مسيحي أرمني ارتأى إهداء هذه الأرض للمرحوم لبناء جامع بدلا من بناء كنيسة عليها وذلك لما رأى من هذا الشخص من صور التسامح والمحبة وعدم التفرقة بين الأديان والثقافات (وللقارئ أن يتصفح صورة الأرض قبل بناء الجامع وبعده من خلال الصور المدرجة في الجزء الرابع من هذا الكتاب).
إلا أن المرحوم أصر على الشراء إذ لا يجوز بناء جامع على أرض هبة وتمت الصفقة بسعر رمزي مقداره (100 ليرة لبنانية) أي ما يعادل (عشرة دنانير كويتية) بذلك الوقت. ومن يرى الجامع الآن يستطيع أن يتعرف على ما آلت إليه المنطقة التي كانت غير مأهولة وهي الآن بفضل هذا الجامع تحولت إلى ضاحية إسلامية مكتظة بالسكان.
وكما تجلت أعماله الخيرية خارج أرض وطنه الكويت فقد كان لوطنه وأهله وشعبه النصيب الأكبر ومن أكثر هذه الأعمال تجلياً في ذاكرة الوطن هي (زكاة العثمان) والتي لا يزال يضرب بها المثل بعد أربعين عاماً على وفاته حيث كان تجمع حشود المحتاجين من الضخامة بمكان لا تنساها ذاكرة الناس ولولا وجوب إشهار الزكاة لما علم بزكاته وصدقاته للفقراء والمساكين إلا الله سبحانه وتعالى.
فقد كان المرحوم/عبدالله العثمان وبحق أباً للفقراء والمساكين. فكان حريصا بأن يحصل الفقير على الرعاية الصحية ذاتها التي يحصل عليها الغني فتكفل بمصاريف جناح كامل في المستشفى الأمريكاني وهو المستشفى الوحيد في ذلك الوقت ، يتلقى فيها الفقير الرعاية الصحية الكاملة.....
ولم يتخل المرحوم عن هذا المشروع الخيري فخصص له بندا في وصيته حيث أوقف مالاًً لهذا الجناح يضمن به استمرارية توفير الرعاية الصحية للفقراء حتى بعد مماته. كذلك لم يفرق بينه وبين العاملين معه سواء في الملبس أو المأكل ، فكانت ولائم الافطار تقام كل يوم من شهر رمضان المبارك فيجالس فيها الفقراء ويحرص أشد الحرص على حضور أبناءه تلك الموائد. ولا تزال ذكرى رؤية والدي في تلك الموائد حاضرة في وجداني حيث جلست بجانبه إحدى المرات وقد امتلأ الديوان فما عاد هناك من مكان لأحد الحراس يجلس عليه فظل واقفا فما كان من والدي إلا أن أمرني بالقيام وطلب من الحارس الجلوس....هذا وكان عند كل عيد يحضر الخياط إلى منزله في منطقة النقرة حيث يأخذ المقاسات للمرحوم وأبنائه وكافة العالمين لديه ويتم تفصيل الملابس من نفس نوع القماش وللكل فكان منظراً يستحق التدوين. وعند بزوغ فجر صلاة العيد يذهب المرحوم إلى الجامع بصحبة أبناءه والعاملين لديه وقد ارتدى الجميع نفس الزي ونفس القماش في مشهد طالما جسد له خلق التواضع بروحيته.
كما آمن المرحوم/عبدالله العثمان بدوره الوطني اتجاه أرضه وشعبه كذلك آمن بدوره الوطني اتجـاه نصرة قضايا الأمة العربية والاسلامية وإغاثتها وقت النكبات بما يستطيع ويملك....وإذا نظرنا إلـى سجلـه وتاريخه نجد أنه كان من أسخى المتبرعين في عصره ، فقد نشر في جريدة الوطن بعددها رقم (11087/5533) الصادر بتاريخ 6/12/2006 صورة من عدد (كويت اليوم) الوارد بها أسماء المتبرعين لزلزال أغادير بالمغرب العربي (يمكن الاطلاع على صفحة العدد في الجزء الرابع من هذا الكتاب).
وقد تبرع المرحوم باسمه واسم أبناءه بمبلغ وقدره (350 ألف روبية) وحتى تتم المقارنة بالشكل الصحيح لا بد من الاشارة إلى أن المتبرع الذي يليه مباشرة قد تبرع بمبلغ (20 ألف روبية)..كذلك وللمرحوم مساهمات عديدة لمجاهدي الجزائر وقد حصل على وسام الجمهورية من الرئيس/جمـال عبدالناصر بتاريخ (1377 هـ) عن أعمال الخيرية هناك وبموجب ما لدينا من مستندات نذكر تبرعه إلى لجنة اليتيم العربي في الأردن وذلك حسب البيان السنوي الثالث والعشـرون سنة 1964 حيث بلغ تبرعه (-/7000 دينار كويتي) بينما جاءت حكومة الكويت وتبرعت بمبلغ (-/6000 دينار كويتي) (يمكن الاطلاع على كشف التبرع في الجزء الرابع من هذا الكتاب).
فكما أفاد أخي نوري العثمان ، وهو عميد العائلة أطال الله عمره وممن عاصر المرحوم فقد أرسله المرحوم يوماً إلى صديق له من أبناء أسرة العويد وذلك للاقتراض منه (50 روبية) حيث لا يوجد في البيت ما يكفي من طعام في ذلك اليوم وقد أعطاني المبلغ وذهب به إلى الوالد ووضع المبلغ في جيبه وفى طريقهما إلى المنزل صادف بعض الفقراء في الطريق فأعطاهم ما في جيبه وأمسى هو وعائلته في ذلك اليوم بلا عشاء.
وعلى الرغم من ثراءه ومحبة الناس له ، لم يسع عبدالله العثمان يوما إلى ترجمة ما أسبغه الله عليه من نعمة المال والمحبة إلى ركائز عمل سياسي يهدف من ورائه إلى منصب وجاه حكومي ، بل آثر أن يسخر تلك النعمة في ايصال مطالب الناس واحتياجاتهم إلى أولي الأمر. ومن بين ما وقع بين أيدينا من مستندات قديمه كتاب مرسل من قبله إلى أمير دولة الكويت المرحوم/ الشيخ عبدالله السالم بتاريـخ (17 من شعبان 1370 هـ) ، حيث استفحلت أزمة المياه في ذلك الوقت ، يقول فيه بأن كبار التجار لديهم سيارات لنقل الماء يقومون بسحب مياه الخزان ولا يبقى للفقراء شيء من الماء يسد حاجتهم ، ويأمل منه بأن يوقـف هذا العمل من قبل التجار (يمكن الاطلاع على الكتاب المرسل في الجزء الرابع من هذا الكتاب) ، وقـد كان المرحوم/عبدالله العثمان في ذلك الوقت من تجار الكويت وليس ذى حاجة لكن ايمانه بمبدأ التكافل الاجتماعي ومسئوليته اتجاه مجتمعه أغنياء كانوا أم فقراء دفعته إلى الكتابة إلى للأمير يستنجد به نيابة عنهم وهذا مما أثار الكثير من الحقد والحسد من قبل هؤلاء التجار تجاهه.
وفي حادثة أخرى وكما أفادت الأخت/ سهام العثمان....وهى ممن عاصروا المرحوم بأنه قد دخل على والدته صباحً ذات يوم وليخبرها بأن أمير البلاد الشيخ/عبدالله السالم الصباح قد أمر بحضوره وهو ذاهب الآن لمقابلته وعند عودته في الظهيرة سألته ابنته بماذا أراد بك الحاكم فأجاب: " عرض علي تسلم إحدى الوزارات وقد اعتذرت ، وعند سؤال الأمير له عن سبب الاعتذار"...أجاب: " بأني لا أستطيع إرضاء الحاكم على حساب الناس ولا أستطيع إرضاء الناس على حساب الحاكم " فتبسم الأمير رحمه الله وأذن له.
وإن دل هذا الموقف على شيء فإنما يدل على تغليب المرحوم عبدالله العثمان مصلحة وطنه ومجتمعـه علـى مصلحته الشخصية وطموحه الذاتي الذي يغالبنا جميعا إذا عرض علينا العرض ذاته الذي رفضه.
ولم يقتصر سيل الإحسان والعمل الصالح لهذا الرجل الكبير في سنين حياته بل استمر جريانها إلى ما بعد وفاته. فقد أوصى بثلث تركته وقفاً للعمل الصالح وبناء المساجد حيث أوصى بالإدارة إلى الهيئة العامة لشئون القصر في الكويت بالمشاركة مع الصالح من أبنائه ضماناً لحسن الإدارة ، هذا وقد شكلت بتاريخ 29/6/2004 لجنة مكونة من الهيئة العامة لشئون القصر وبعض الورثة آلت لها إدارة وتنمية ثلث (وقف) المرحوم/عبدالله العثمان والذي يقدر بما يزيد عن (200 مليون دينار كويتي) وسوف نستعرض في هذا الموقع إنجازات ومشاريع تلك اللجنة. والتي أمر باستثمار وتوزيع ريعها على المستحقين.....توفى المرحوم/عبدالله العثمان في 14/12/1965 ومازال الخير يتدفق ومازال العمل الصالح ودعوات الفقراء والمحتاجين تنهال على روحه ، رحم الله عبدالله العثمان وأسكنه فسيح جناته.
وجدير بهذه السيرة أن تقرن بين عبدالله العثمان ، وأخيه الملا عثمان ، كعلمين من أعلام الكويت حيث توازى نشاطهما العلمي كأستاذين بمدرسة المباركية ومن ثم مدرسة العثمان. فكان عبدالله العثمان يمارس الغوص في الصيف بحثاً عن اللآلئ المادية ، وفى الشتاء بحثاً عن اللآلئ العلمية كما لو أنه سخر نفسه لرحلة غوص دائم في ربوع الحياة بحثاً عن المعرفة والكسب والبذل والعطاء.
إلا أن الملا عثمان قد آثر أن يكرس جُلّ حياته للتربية والتعليم فظل يؤدي بتفان وإخلاص دوره العلمي بالتدريس متنقلاً بين عدد من المدارس: (المباركية – الأحمدية – القبلية – المرقاب)....حيث أدى للكويت دوراً رائداً في مجال التعليم ، كما يعد الملا عثمان من أعلام الإرشاد الديني حيث كان إماماً لمسجد/عبدالله المطوع ، مكان مجمع الوزارات اليوم – يدرس مذهبه المالكي وإلى جانب درايته بالفقه الحنبلي الذي درسه على يد الشيخ/عبدالوهاب الفارس.
فإن كانت هذه هي الثمار اليانعة التي أزهرت فإنما تدل على كرم وأصالة الشجرة التي تأصلت فيها وإنشاء الله على أصالة من يخلفها.
في نهاية هذه السيرة المختصرة عن حياة المرحوم/عبدالله عبداللطيف العثمان قد يعيب علي البعض إضاءة كل ما هو صالح في حياة هذا الرجل وعدم التطرق إلى أخطائه التي لا بد أنه ارتكب العديد منها لأنه وببساطة لا يقل إنسانية عنا.....لهؤلاء أقول أنتم محقون لكن ولأن الطريق إلى الصلاح والنجاح ممهد بالتجارب والسقوط والفشل واتخاذ القرارات الخاطئة في وقت ما ليتبعها نهوض وتكرار المحاولات ومواجهة ضعفنا ومساوئنا بالاستغفار والتقرب من لله ومحبته ومن ثم محبة الناس ، وبالعلم والعمل الصالح والاحسان إلى الآخرين ، لذا كله أرى في شخصي أن والدي رجلا صالحا سعى في حياته إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة مقدما الثانية على الأولى ، لهذا وبعد أربعين عاما من وفاته لا تزال صدقته جارية ولا يزال عمله الصالح راسخاً في ذاكرة الوطن ولا أزال أنا وأخوتي وأبنائي وأبناؤهم ندعو له في كل صلاة ونترحم عليه في مقام ومقال .... أو ليس هذا جزاء المؤمن الذي بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته....
هو هذا حقا فرحمة الله على...المحسن الكبير...عبدالله عبداللطيف العثمان.