قبل الاستمرار في تصفح دفتر التحضير للأستاذ عبد العزيز لا بد لنا من أن نقف على جانب مهم و حيوي في كتابة التحضير ألا و هو استخدام اللغة . تعد اللغة في أي بيئة تعليمية قناة الاتصال الرئيسية بين المعلم و طلابه التي اعتماداً عليها يتمكن المعلم من إيصال المعلومة بشكل صحيح لذهن الطالب . و بناءً عليه لا بد لأي معلم من أن يعتمد لغة واضحة يفهمها الطالب حتى تنجح عملية عرض المعلومة و تؤتي ثمارها . لكن شرط وضوح اللغة فقط لا يكفي إذ يستطيع المعلم حينئذٍ أن يكتفي باستخدام اللغة العامية في الشرح و ستكون فعلاً هي الأقرب إلى فهم الطالب و إدراكه . إذاً السؤال لم الإصرار على اعتماد اللغة العربية الفصحى في الشرح بدلاً من العامية , و هو سؤال يطرحه عدد لا يستهان به من معلمي اليوم . و الجواب على هذا السؤال بسيط : اللغة هي منبر العلم و لسان الحق . فالمدرسة في حقيقتها تتجاوز الهدف الآني منها و هو التدريس و ما يتبعه من تقييم للطالب وفقاً لنظام الاختبارات , المدرسة في روحيتها هي البوتقة التي يتشكل فيها فكر الطالب وعقيدته و ثقافته و انتمائه و مفهومه للمواطنة , و موقع اللغة في هذا كله هو القلب. فنظرة واحدة إلى مخرجات التعليم من هذا الجيل على جميع المستويات المحلية و العربية و الدولية تبين لنا مدى فداحة الضعف الذي يعانيه الطالب عند تخرجه في التعبير كتابة أو خطابة بلغة صحيحة عن أفكاره و معلوماته . و ها نحن الآن نرى العالم و هو يدق ناقوس الخطر بعد أن اكتشف أن التقدم العلمي – المعلوماتي و التقني – وحده لا يكفي لخلق مواطن صالح و منتج إن لم يزود هذا المواطن بالوسيلة التي يتجدد عبرها هذا العلم الذي اكتسبه طوال سني دراسته ألا و هي اللغة. و اعتماد اللغة العربية الفصحى حصراً في الشرح ليس بالمطلب المستحيل فها هو المعلم عبد العزيز - مع زملائه من جيل المربين الأوائل - يعتمد اللغة العربية الفصحى في كتابة التحضير. ليس هذا فحسب بل بتصفح كامل دفتر التحضير تجد أن اللغة المستخدمة في الكتابة هي اللغة العربية في أبهى صورها في التعبير و الإملاء و الخط والالتزام بقواعد النحو و الصرف .
و هذا الإبداع في اللغة العربية الذي ميز ذاك الجيل من المربين الكويتيين لم يتأت من فراغ أو مصادفة بل هو وليد العلم المتوارث منذ أجيال عبر حضور حلقات العلماء الأجلاء في المساجد و التتلمذ على أيديهم و السعي وراء تحصيله من كافة بقاع الأرض . و هكذا عندما بدأت تجربة التعليم النظامي في الكويت كان لا بد أن يكون للغة العربية الحصة الأكبر في خطة التعليم إلى جانب الفقه . و بما للغة العربية من حظوة إلهية على لغات العالمين كونها لغة القرآن الكريم فهي علم بذاته متشعب إلى فروع لا بد لطالب العلم أن يقطف ثمارها حتى ينتفع بها .
و من هذه الفروع التي حرص الكويتيون على نقلها لأبنائهم علم الخط . فقد جرت العادة منذ عهد الكتاتيب أن يتبارى الطلاب فيما بينهم في مجال الخط العربي بحيث يمثل كل طالب الكُتّاب الذي درس فيه ,أما الحكم في هذه المباراة فيعود إلى تجار الكويت الذين حرصوا على أن يشاركوا في هذه التجربة التعليمية التي تماثل في وقتنا الحالي الأنشطة التربوية سواء كانت على مستوى المدرسة , المنطقة التعليمية أو الدولة. و يبين لنا هذا العرف الذي جرى عليه أبناء المجتمع الكويتي في إجراء المباراة مدى عمق التجربة التعليمية في وجدان المجتمع الكويتي قديماً و التي قد تبدو للوهلة الأولى تجربة بسيطة في ظاهرها, لكنها في الجوهر تماثل أسس التعليم النظامي الذي يقوم عليه مبادئ التعليم الحديث . فعدا عن مسؤولية المدرسة تجاه الطالب من جهة توفير متطلبات التعليم الأساسي , تتحمل المدرسة أيضاً مسؤولية تطوير مهارات الطالب في المجال الذي يرى فيه هذا الطالب متنفساً لإبداعه و منارةً لتميزه. و لطالما وفرت وزارة التربية في الكويت الأرضية الصالحة لنمو الطالب من خلال إعداد الأنشطة التربوية المتنوعة في أي مجال يختاره الطلبة و ذلك في ظل بيئة تنافسية شريفة بين المدارس يكون الرابح فيها دائماً هو الطالب الذي خاض التجربة و عايش أجواء المنافسة و السعي وراء التميز بغض النظرعن النتيجة النهائية .
نعود إلى أجواء التعليم في الكويت القديمة إذ ظلت مهارة الخط من المهارات التي تحظى بأهمية كبرى حين انتقلت التجربة التعليمية في الكويت من الكتاتيب إلى التعليم النظامي . فها هو المعلم عبد العزيز يخصص الحصة الثالثة من اليوم لتعليم مهارة الخط حسب الجدول الدراسي . و قد اشتهر المعلم عبد العزيز بجمال الخط و حسنه و هو ما يظهر لنا جلياً أثناء تصفحنا لدفتر التحضير الخاص به . إذاً المعلم عبدالعزيز على وشك أن يعلم الطلاب مهارةً هو مبدعٌ فيها. بحماسةٍ و اندفاع يفتح المعلم عبد العزيز دفتر التحضير على الجزء الخاص بتحضير درس الخط ثم يتجه مباشرةً إلى اللوح حاملاً في يده اليمنى الطبشور الأبيض و في يده اليسرى مسطرة خشبية طويلة يعرفها بعض الطلاب كعصا للضرب و العقاب لسعت أكف أيديهم مرات عدة لكن ليس و هي في كنف أستاذهم عبد العزيز.