50/50

 

بعد مضي أكثر من عشرين عاماً في العمل المصرفي، ومثلها في العمل العقاري، ومجموعهما في العمل الخيري، فقد رأيت الربح والخسارة، ومرَّ علي كل أصناف الناس، منهم الزين ومنهم الشين. ومن الملاحظ أن النجاح مرتبط دائماً بالتجربة، يعني اللي ما يجرب ما راح يعرف، ومن لا يأخذ المخاطر لا يصل إلى الرزق، وطبعاً أقصد بالمخاطر تلك المدروسة العاقلة، وكما يقول الشاعر سلم الخاسر «من راقب الناس مات هماً.. وفاز باللذات من كان جسوراً». وودي أتكلم عن معادلة أسميها 50/50، هذي المعادلة استعملها كثيراً في حياتي، ومعناها إذا واحد خسر نص راس ماله فعنده خياران: الأول ما يسوي شي ويحتفظ بالنص والنتيجة ما تبقى من رأس المال لن ينمو وسيتآكل مع الوقت. أما إذا عاد واستثمره، فعلى الاقل لديه احتمالان: إما الخسارة أو الربح، وإن ربح فسيعوض خسارته، وأما إذا خسر، فهي نفس نتيجه عدم الاستثمار، فإحصائياً الخيار الثاني أفضل من الأول. وأنا أقول لكم السبب وراء هالفلسفة الإحصائية وبهذا الشهر الفضيل. فهناك علاقات إنسانية لا تخرج عن المعادلات الحسابية فيها الربح والخسارة، خصوصاً عندما تتعلّق بعلاقات قربى أو صداقة وتأخذ منحى الجفاء وأحياناً القطيعة، فيتساءل الناس كيف لهذه الصداقة ان انتهت؟ وكيف لهذه القطيعة ان وقعت؟ الجواب سهل، فمع تقدم العمر تنكشف للإنسان أمور قد تكون مخفية عنه بشبابه ويكتشفها إما بالصدفة أو بالخبرة، ومن أبرز مسببات الخلافات في هذه الدنيا الفلوس والحسد ومرات قلة العقل، فقد يترافق اثنان أو يشب شقيقان وتغرز بينهما نبتة الحسد وتكبر مع الزمان وتتحول إلى مارد منتقم، ويصعب فهم ما يحدث، ولكن كما يقول المتنبي «وأظلم أهل الظلم من بات حاسداً.. لمن بات في نعمائه يتقلب».

وهنا يتطلب من الإنسان أن يقف مع نفسه ويرفع يديه للسماء داعياً إزاحة هذا الدرن عن قلبه، وأن يواجه نفسه بحقيقة دوافع ما تجره يده ويقوله لسانه من باطل، حينها ستكون له احتمالية %50 بالنجاح وإعادة المياه إلى مجاريها مع من ظلمهم، أما ما بين الأبناء والوالدين فالحياة الأسرية قد يعصف بها أحياناً سوء التصرف والخطأ، ولكن تظل الحقيقة أن للوالدين حقا مطلقا ويجب على الأبناء تجاوز ما كان ولو بالحد الأدنى الذي يرضي الله سبحانه، أما للوالدين فأقول لبعضهم إن أخطأتم بحق أبنائكم ورغبتم في إصلاح ما أتلفته ايديكم، فالحل يأتي من القلب والمحاولة بعد الأخرى، ولا اقول الاعتذار، ولكن وكما قيل «كلمة ولو جبر خاطر» وتذكروا ان احتمال %50 ما زال قائماً لكن يستلزم صبراً ووقتاً وحباً وعطفاً، واللي أحاول أوصله للكل إن العمر قصير والصلح زين والسماح والاعتذار شيمة الأخيار.

وترى ماني قاصد حد، ولكنها فلسفة وجدانية في ليلة رمضانية مباركة.

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثاني عشر من يونيو ٢٠١٨ (الرابط الالكتروني)

 50/50 Pdf

عدد الزائرين:

1876 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr