أجر جامع

 

كنت في زيارة للصديق طارق الرشدان بمكتبه في مسألة عمل وفي الوقت نفسه لتبادل الحديث الذي دائما ما يكون ممتعاً مع هذا الإنسان العصامي الذي لا تفارقه الابتسامة أبداً. وبومحمد معروف باهتمامه الكبير بالبيئة ولديه الكثير من نوادر ما خلق الله من حيوان ونبات جمعها بمزرعته في العبدلي ليست حصراً له بل جعلها مزاراً ومتنفساً لكل من رغب زيارتها. وبومحمد لديه أعمال تجارية بالمغرب العربي وقال لي: بوعثمان توني راد من المغرب ومريت على جامع والدك رحمه الله بتطوان، وقابلت القائمين على المشروع، وأشاد بالعمل وبالمشرف على تنفيذه السيد محمد الوزاني الحسني. والسيد الوزاني يشرف على الكثير من مشاريع بيت الزكاة ومنها بناء الجوامع. فسألت بومحمد كونه عارفاً بأسواق تلك المنطقة كيف للسيد الوزاني أن نفذ هذا الجامع الجميل الذي يتسع لألف مصلٍ بتلك الميزانية المحدودة، وإن أردنا في الكويت بناء مثيله لكلفنا أضعافاً مضاعفة، خصوصاً لما به من الزخارف والنقوشات الأندلسية وأعمال المنجور والرخام. فابتسم بومحمد وقال: الجامع كلفته أكثر بكثير مما رصد له، لكن هناك من شارك معكم بأجر الجامع. استغربت كلامه وسألته شلون؟ والجواب كان مبهراً: فهناك من يتسابق بكسب أجر الجامع فترى من يعمل من دون مقابل أو بأجر مخفض مساهمةً منه ببناء الجامع، ومنهم من يبيع مواد البناء بالتكلفة راجياً الأجر من الله وهكذا، وأضف إلى ذلك حنكة وخبرة السيد الوزاني. وتابع بومحمد وقال: كان عندي مشروع صغير هناك وسألت أحد المقاولين تنفيذه، فجاء رده إن كان جامعاً فمستعد أنزل بالسعر وعدا ذلك اعذرني. ونرجع لموضوعنا الأساسي، فنحن أهل الكويت من نتسابق بعمل الخير والتبرع خارج الكويت لماذا لا نحذو حذو المغاربة بهذا الشأن، وأقصد التبرع بالجهد أو ببيع مواد للمشاريع الخيرية بالتكلفة، فتلك الثقافة قد تكون متوافرة بمجتمعنا لكن لم تأخذ حظها من الدعم والتطوير والتشجيع. وآمل من وزارة الأوقاف، حتى بتوافر متبرعين لبناء المساجد، أن تحفز وتشجع وتسوق الفكر الخيري هذا لدى المقاولين وموردي مواد البناء، وأقول إذا المقاول يرغب عن المساهمة فعلى الأقل لا يغش بالمواد والمصنعية الرديئة، ولا يتلاعب بالأوامر التغييرية (وهذا الكلام فقط لمن يتلاعب من المقاولين)، فالجامع بيت من بيوت الله، فيه الأجر الكبير والصدقة الجارية. كذلك أقول للفساد في أجهزة الدولة «ولو إن كانوا قلة» إن الرشوة والتلاعب بأموال الناس والدولة وأكل مال الحرام كلها تؤدي إلى جهنم وبئس المصير، فكيف لا يسلم حتى الجامع من فساد ايدكم، إذ يحدثني صديق تُوفي والده حديثاً وأوصى ببناء جامع قائلاً: تصدق بوعثمان اني ما قدرت أوصل التيار الكهربائي للجامع إلا بشق الانفس وكما يقال بألف واسطة وواسطة. فقد رفضت ان أدفع إتاوة لفساد الكيبلات! وأختم بأن ماكو شي يضيع عند رب العالمين، فالسحت سينقلب عليهم وعلى أبنائهم وبالاً في الدنيا قبل الآخرة، وليتهم يتذكرون أن القبر ما فيه كيبل كهرباء.

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الرابع عشر من أغسطس ٢٠١٨ (الرابط الالكتروني)

أجر جامع (Pdf)

عدد الزائرين:

431 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr