أمن وطننا خطٌّ أحمر
وأنا أبحث في أوراقي القديمة وقع بيدي كتاب اشتريته من بيروت عام ١٩٧٣م، واسم الكتاب «النكبة في صور» للكاتب عارف العارف، وقد صدر هذا الكتاب في بيروت عام ١٩٦١، كتاب يعتمد على الصور والتي من خلالها تستطيع تتبع أحداث ومآسي نكبة فلسطين، أحداث وصور لشخصياتٍ فلسطينيةٍ وعربيةٍ ويهوديةٍ ساهمت بطريقة أو بأُخرى بتهجير الفلسطينيين، وأخذت المبادرة منهم لتحرير وطنهم وتكليف الدول العربية الحديثة النشأة والخبرة ذات القيادات المتقاطعة المصالح والأهداف لتحرير فلسطين، فضاعت الأرضُ ومَن عليها، رأيتُ صوراً محزنة في هذا الكتاب للأطفال والشيوخ والنساء القتلى على أيدي العصابات الصهيونية، وللأسف وعلى مرّ كل تلك السنوات ما زلنا نرى ومن حينٍ إلى آخر تلك الصور المُحزنة تتكرر بمجازر عديدة وتنكيلٍ بالشعب الفلسطيني، وللأسف فإن التاريخ ما زال يُعيد نفسه وما زال الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات منقسماً على نفسه، ولا حد يزعل مني فتلك هي الحقيقة، وخلونا نشوف الفصائل الفلسطينية المُقاتلة والمُتقاتلة والسياسية كم عددها؟ ومن يقودها؟ وأين هي ولاءاتها؟ فالكلُّ متفقٌ على تحرير فلسطين، والكل منهم مُختلف كيف يكون ذلك! خلافٌ قد يصل أحياناً إلى حمل السلاح والاقتتال غير المسبب، وأذكركم بأحداث مخيم «المية ومية» في لبنان قبل كم شهر، هذا المخيم الذي لا تتجاوز مساحته ٦٠ ألف متر مربع، وسكانه يفوق عددهم ٦ آلاف، فهل يُعقل أن تتشابك تلك الفصائل المُسلحة بالرشاشات والآر بي جي داخل تلك الرقعة الضيقة المكتظة بالمباني المتهالكة ويرعبون الأطفال والنساء الذين هرعوا خارج المخيم راجين النجاة من بطش أبنائهم وآبائهم وإخوانهم المتقاتلين في ما بينهم لخلافٍ سياسيٍّ بين قادتهم، ومسلسل اقتتال الفصائل تاريخه قديمٌ منذ أحداث أيلول الأسود كما أُطلق عليه عام ١٩٧١م في عَمّان إلى الحرب اللبنانية التي أدت إلى احتلال إسرائيل لجنوب لبنان وأطراف بيروت والمجازر البشعة التي وقعت على الفلسطينيين العُزل في مخيم صبرا وشاتيلا، وبعد كل هذا الدمار يرحل الرئيس عرفات مع فصائلهِ إلى تونس ويترك لبنان تئنُّ لعشرات السنين، ومثل ما نقول بعاميتنا «للحين ما ترقعت»، رحمة الله عليك مؤلف كتاب النكبة، ولا أعلم ما كنت ستؤرخ لو عاصرت مآسي الشعب الفلسطيني المسكين، والذي ابتليَّ بمن لا يرحم من محتلٍ غاشمٍ وبعض قياداتهِ، فالانشقاق والخلاف لن يحررا أرضاً ولا يبنيا وطناً، والكويت وشعبها دائماً وأبداً مع هذا الشعب المكلوم ولكن لي وقفة في هذا المقام، فنحن يجب أن نفرق بين تعاطفنا ووقوفنا ودعمنا للشعب الفلسطيني وبين مصالحنا ومستقبل وطننا، فنعم واجبنا أن ندعو الله برفع الكرب عنهم ونصرهم وكذلك نساعدهم وندعمهم بالغالي والنفيس ليحافظوا ويدافعوا عن وطنهم ولكن فقط من خلال الآليات والقنوات التي تحددها الدولة، فالكويت حكومة وشعباً موقفهما واضح وصلب بهذا الشأن ومحد يقدر يزايد عليهما، ولكن نحن دولة صغيرة تعتمد على التوازنات والتحالفات الاقليمية والدولية لحماية أرضها ومصالحها، ويجب أن نكن حذرين جدا بذلك وترى إذا طحنا محد راح يسمي علينا كما يقال والأمس ليس ببعيد بس تذكروا، وأقول للنائب الفاضل اللي قاعد يهدد باستجواب وزير الخارجية إذا قبل أوراق اعتماد سفيرة أميركا، الظاهر انت ناسي إن دولة الكويت لها اتفاقيات أمنية مهمة مع الولايات المتحدة، وأذكرك بأن قبل الغزو الغاشم ما كان عندنا سفير أميركي لسنوات، وللسبب ذاته والنتيجة ضياع وطن على يد جار صفق له كثيراً، فيرحم والديك نائبنا الفاضل جاوب على هذا السؤال قبل لا تقدم استجوابك، وتذكر انت وربعك الأفاضل من أرسل نصف مليون مقاتل من أبنائه وبناته لتحرير وطننا من المحتل؟ أما النائب الفاضل اللي يطالب القادة بوقف الغاز والنفط عن الغرب الظاهر نسى أن الدولة علشان تدفع رواتب ناخبيه والبقية من موظفي الدولة تحتاج تبيع نفطاً مو حجي وسوالف دواوين وسوشيال ميديا، وكملوها بعض النواب المتحمسين لتجنيس ما هبّ ودبّ، ومطالب فتح الالتحاق بعائل بلا ضوابط، وأقول لنفسي وللجميع إن أمن وطننا خطٌّ أحمر وعلى الجميع الالتزام بسياسة الدولة المعلنة وتوجيهات قيادتنا السياسية، وخصوصاً نوابنا الأفاضل لان الوضع خطر جدا ويحتاج حكمة وليس صراخا وعويلا، وأختم وأقول هويتنا الوطنية وأمن وطنا ما هي «لعبة» وجنسيتنا ما هي «جكليته».
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الرابع والعشرون من أكتوبر 2023 (الرابط الإلكتروني)
أمن وطننا خطٌّ أحمرPDF