الواقع الافتراضي
رحت أشتري سماعة من أحد المعارض المعروفة في كوفنت غاردن بلندن، وكان المحل مزدحماً جداً، وشفت عارضين الإصدار الجديد من جهاز الواقع الافتراضي ما لهم Vision pro، وتوه نازل عندهم وقال البائع: «ودك تجربه؟»، وشجعوني الأحفاد وأنا أدري ليش، علشان يعجبني وأشتريه، وبعدين يتحول لهم، المهم قلت: «ما يخالف، نجربه»، واعتقدت أن السالفة أم خمس دقائق، ولكن اتضح أن التجربة مدتها نصف ساعة، وأول شي أخذوا نظارتي وحطوها على جهاز حوّل قوتها إلى الجهاز، وغير ذلك مسح للعين، وبعدها لبست الجهاز، وقال لي البائع: «أنا معاك على أيباد أشوف اللي تشوفه وأوجه العرض، وكل اللي تحتاج تسويه فقط تنظر بالعين اتجاه أي تطبيق وتحرك إصبعيك وراح يفتح معاك»، المهم اللي شفته نوع من الخيال، وطبعاً أنا مو قاعد أسوّق للجهاز أو المنتج، ولكن خطورة تلك التجربة على مستقبل الناشئة خلاني أكتب، المهم النقلة النوعية في تلك الأجهزة تكمُن في سيطرة العين على تشغيل كل البرامج، فكل اللي تحتاجه أن تنظر فقط إلى الأبليكيشن، وتحرّك أصابعك حتى لو كانت بجيبك، وكل شي يفتح معاك وتعيش بالشكل اللي تبيه، حتى فيديواتك اللي عليه تتحول إلى عالم ثلاثي الأبعاد، وتشعر بأنك في وسط أحداث الفيديو، إن حبيت تكون في السينما تقدر تختار شكل السينما، وبأي خط وبأي مقعد، وإذا تبي بروحك، ولا تدخل ناس معاك، وتنقي فيلمك من مكتبتك، وتعيش تجربة التواجد في السينما وانت منسدح على فراشك، وكان المرعب في الموضوع هو الإحساس بالارتفاع أو السقوط من أعلى الجبل أو مبنى أو هجوم حيوان مفترس عليك، ومو ناقص الجهاز إلا إحساس الشم وحركة الهواء، واللي عجبني أكثر الكتابة، إذ يُمكن كتابة المقالات من خلال الجهاز، وتنقي «الكيبورد» اللي يعجبك، وبس حرك عينك وأصابعك، ومثل ما قلت حتى لو كانت في مخباتك، المهم بعد التجربة سألني البائع إن كنت أرغب بالشراء، وكان سعره على ما أذكر يقارب ٣٩٠٠ باوند، ورديت عليه: قبل عقدين من الزمان في متجر هارودز عرضوا جهاز تلفزيون ١٤ بوصة وحاطينه بفترينة، ومصكرين عليه لا أحد يلمسه، وكان هذا أول إصدار من التلفزيونات البلازما، وكان يعتبر نقلة نوعية بالتكنولوجيا، وسعره على ما أذكر ٦٥٠٠ باوند، والحين اللي بحجمه تشتريه بـ٥٠ باوند، ويمكن أرخص، وبعدين هذا الجهاز يدخل بنظام بصمة العين ونظام أعصاب العين والحركة، وما حد يدري شنو الآثار الجانبية الصحية على مثل هذا الجهاز، فأفضّل الانتظار لكم سنة وبعدها نقرر، ضحك البائع اللطيف، وقال لي بعد ما شاف ماكو فايدة مني you are absolutely right، المهم العالم مقبل على طفرة تكنولوجية من الأجهزة وبرامج الذكاء الاصطناعي، سوف تغيّر قواعد التواصل فيما بين البشر، وتجعل الإنسان أكثر عزلة عن محيطه وعن أسرته، فمن خلال تلك الأجهزة والبرامج راح تكوّن ربع افتراضيين تقدر تتحدث معاهم وتناقش وتختلف، ومتى ما شبعت منهم تغلق البرنامج، وما حد يغثك بالكلام، ولا حد يزعجك، والعمل والاجتماعات سوف تتحول بالكامل من خلال تلك الأجهزة، نعم نحن مقبلون على مجهول تكنولوجي، سوف يقضي على ما تبقى من تواصل إنساني، وإلى ذلك الحين فلنستمتع بحياتنا الاجتماعية والأسرية قبل أن ينهيها الذكاء الاصطناعي.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء السادس من أغسطس 2024 (الرابط الإلكتروني).
الواقع الافتراضي - PDF