الواقع الافتراضي (2)

essay image

في مقالي السابق تطرقت لتجربتي المثيرة مع الأحفاد في جهاز الواقع الافتراضي الجديد Vision Pro، وكون هو المستقبل لا محال فمن الأفضل ومن الآن أن نرى ذلك التغيير القادم من زاوية أُخرى بالعمل على تقليل سلبياته والاستفادة من إيجابياته، خصوصاً وكما أسلفت أنه تغييرٌ قادم وراح نتقبله، رضينا أم أبينا، وخلنا نرجع شوي لعقدين من الزمن وعند بداية التسويق للتلفونات الذكية، فما حد كان يتوقع أن تكون تلك الأجهزة أساسية بكل معاملاتنا الحكومية والمالية والشخصية وبدونها شغلنا وحالنا بيوقف، زين خلونا نشوف كيفية الاستفادة من هذا التطور الرقمي القادم في كثيرٍ من النواحي والمجالات في الكويت وخاصةً في مجال التعليم، ونحن في الكويت ولله الحمد نملك الطاقات والإمكانيات الكافية التي تجعلنا في طليعة الدول المستفيدة من تقنيات هذا الواقع الافتراضي، والتي بدأت العمل به وتطبيقه فعلياً، ولكن علينا بدايةً أن نتحلى بالوعي الكافي وندرك الشوائب التي تحيط بهذا الواقع الافتراضي وآثاره السلبية على كل فئات المجتمع وعلى الناشئة بشكلٍ خاص، وباقتباس: «أشارت البحوث والدراسات الى أن % 70 من مستخدمي الواقع الافتراضي «بانتظام» تظهر عليهم علامات الإدمان التكنولوجي القائم على الاستخدام المفرط للأجهزة التكنولوجية، وأن %30 من مستخدمي الواقع الافتراضي «بكثافة» يعانون من زيادة في مستويات القلق الاجتماعي عند التفاعل في الواقع الحقيقي، ناهيك عن الأضرار الجسدية والنفسية المصاحبة للاستخدام المُفرط لهذا الواقع الافتراضي والتأثيرات السلبية المباشرة على الأداء المهني والأكاديمي كانخفاض الإنتاجية في العمل أو الدراسة والصعوبة في إدارة الوقت وتنظيم المهام، ومشاكل الأمن والخصوصية التي تُعرض المستخدم لعمليات الاحتيال الالكتروني».

صحيح، ولكن ماذا لو صُحَّ استخدام هذه الثورة الذكية بحكمة وتوازن وحولناها من مجرد تطور تقني إلى استثمار في مستقبل الأجيال القادمة لتكون قادرة بدورها على بناء مجتمع أكثر ذكاء وازدهارا؟ فالرتابة تطغى على المنهج التعليمي السائد لدرجة أن فكرة الملل خلال الحصة الدراسية أصبحت تشكل هاجساً للطفل والناشئ، خصوصاً أن مناهجنا بها من المثالب ما يُعزز ذلك الملل، فقبل البدء بالعام الدراسي الجديد، وبعد أن قضى الطالب جزءاً كبيراً من إجازته الصيفية بالألعاب الإلكترونية الذكية والتفاعل المذهل الذي يجذب الحواس، كيف له أن يعود ويتكيف مع حصةٍ دراسية بعيدة كل البعد عما كان عليه خلال الإجازة؟

فماذا لو وظفنا قدرات هذا الواقع الافتراضي في البيئة التعليمية السائدة؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر، نوظف هذا الواقع الافتراضي في تعزيز تعلم العلوم وذلك بإتاحة المجال للطالب باستكشاف التفاعلات الكيميائية بشكلٍ افتراضي، أو نستخدم هذا الواقع في خلق بيئة افتراضية يُحاكي الطالب من خلالها الحياة في لندن أو باريس أو أي بلد يود تعلم لغته، أو نوظفه في إحياء التاريخ أمام الطلبة من خلال رحلات افتراضية إلى حقبٍ زمنية مختلفة مما يجعل المادة حية وملموسة، وقدرات هذا الواقع الافتراضي لا تقف على تعلم المواد الدراسية، إذ بإمكاننا الاستفادة منه في إجراء رحلات افتراضية تعليمية للطلبة من داخل الفصل الدراسي ننقلهم بها إلى أماكن تصعب زيارتها فعلياً، وباعتقادي الشخصي ان دمج تقنيات الواقع الافتراضي في النظام التعليمي السائد مع سلبياته يحمل لنا إمكانيات هائلة لتحسين جودة التعليم وجعله أكثر متعة وجاذبية وفعالية، وبدلاً من أن يشعر الطالب بالملل عند العودة إلى المدرسة بعد إجازة مليئة بالألعاب التفاعلية، سيجد نفسه أمام تجارب تعليمية لا تقل إثارة وتشويقاً، ومع التخطيط السليم والتطبيق المدروس يُمكن للكويت أن تصبح في مصاف الدول المتقدمة التي عملت على توظيف هذه التقنيات في مجتمعاتها، من خلال تدريب المعلمين وتطوير المناهج بشكل ملائم وتوفير التقنيات اللازمة، وبهكذا خطط ذكية لن نكون قد حسّنا جودة التعليم فقط، إنما فتحنا الباب أمام جيل من المبدعين والمبتكرين، يواجه المستقبل بكل ثقة وإبداع، ويمكن أكون قد أسهبت بالخيال ولكن أنا ممن لا يفقد الأمل والتفاؤل بإمكانيات وطني.

وتسلمون.. 

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الأربعاء الرابع عشر من أغسطس 2024 (الرابط الإلكتروني).

الواقع الافتراضي (2) -  PDF