استكشاف حولي (1)
لكل منطقة من مناطق الكويت تاريخٌ غنيٌّ ونسيج معماري فريد، يحتاج منا فقط إلى إلقاء الضوء عليه من أجل إعادة إحياء ما يتميز به من تراث فريد، وفي ظل ما نعيشه من تطور تكنولوجيٍّ وذكاءٍ اصطناعي بات ينافس الذكاء البشري، أجدُ أنه من الأجدر توظيف هذه الموارد الرقمية في خدمة تاريخنا وتراثنا، بفتح المجال أمام شبابنا وتوعيتهم بهذا الشأن، بدلاً من ضياع الأيام والساعات على المنصات غير الهادفة، التي لا تزرع في عقولهم سوى الفراغ والأفكار البعيدة عن عاداتنا وتقاليدنا، وأعتقد أن في الكويت الكثير من المبادرات والمشاريع، التي تفتح الباب أمام الشباب من أجل استثمار أوقاتهم وطاقاتهم الإبداعية، واسمحوا لي في هذا المقال بأن ألقي الضوء على إحدى هذه المبادرات، التي أطلقها مركز البروميناد الثقافي، من أجل إعادة إحياء التراث المعماري الفريد في الكويت، ألا وهي «ورشة عمل استكشاف حولي»، التي بُدئ العمل بها منذ عام 2019 ضمن مشروع خريطة حولي الثقافية، الذي يهدف إلى استكشاف الأيقونات المعمارية في منطقة حولي، كمتحف بيت العثمان، الذي أصبح وجهة سياحية لكل من يريد التعرف على تاريخ البيت الكويتي القديم، ومسجد العثمان، الذي نعمل حالياً على إعادة تأهيله وترميمه ليعود كما كان في حياة صاحبه المرحوم عبدالله العثمان، كأيقونة في فن العمارة الإسلامية، الأمر الذي جعل منه محط اهتمام الكثيرين داخلياً وخارجياً، ومجمع البروميناد، بالإضافة إلى العدد الكبير من المعالم الثقافية المهمة الأخرى في منطقة حولي، وذلك من خلال إنشاء المنصة المجتمعية، التي يقوم المركز من خلالها بإعداد ورش عمل وبرامج مهمة للتنمية الثقافية، ومنها على سبيل المثال المشاريع المتعلقة بالتنوع المجتمعي، وأهمية الحياة الثقافية، والعروض الفنية المتنوعة، وذلك بالتعاون مع منصة «إناراتيف» المتعددة التخصصات، والتي قام بإنشائها المهندسان المعماريان مشاري النجار من الكويت، وسارة عبدالله من البحرين، عام 2017، وتقوم فكرة هذه المنصة على دمج العمل الهندسي بسرد القصص، فاجتهدا من خلالها في تسليط الضوء على معالم المدينة التاريخية الغنية والنسيج الحضري الفريد الموجود فيها، وعرّفا المشاركين من خلالها على تقنيات الطباعة المختلفة، لإنشاء تفاصيل تتعلق بالمباني والمساحات والعمل الجماعي، لرسم خريطة للمدينة كما يرونها، بورشة عمل أُقيمت على مراحل عدة، بدأت بتعريف المشاركين بالنقاط المهمة للمنطقة، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة التطبيق العملي للورشة، بتعليم المشاركين تقنيات الطباعة لإنشاء مطبوعات بالقوالب، استناداً إلى المباني التي اختاروها، وكان نتاجها قطعة نسيج تجسدت فيها خريطة حولي الثقافية، التي تشمل العديد من المباني ذات طابع معماري مميز في المنطقة، ومن ثم عُرضت في الطابق الأرضي في مجمع البروميناد، الأمر الذي جذب اهتمام العديد من الزوار لمشاركة قصصهم وذكرياتهم في منطقة حولي، وذلك بحضور عددٍ كبيرٍ من المهندسين المعماريين المحليين والمعلمين والطلاب والصحافيين، فبمثل هذه النشاطات والمبادرات وورش العمل يتمكّن الشباب الكويتي من توظيف طاقاته الخلاقة والإبداعية في خدمة وطنه وتراثه.
وفي المقال المقبل سنكون على موعدٍ مع ورشة عملٍ أُخرى، تظهر جمال منطقة حولي وغناها الحضاري، فكل الشكر للفريق القائم على مركز البروميناد الثقافي، وللمشاركين بورش العمل الهادفة، التي تبعث الأمل والتفاؤل في شبابنا الناشئ..
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الأربعاء الثامن والعشرون من أغسطس 2024 (الرابط الإلكتروني).
استكشاف حولي (1) - PDF