بن سري

 

وصلتني رسالة على الواتس اب تقول: «أرجو تخصيص مقال لتجاربنا جميعا أثناء الدراسة في أميركا.. وكيف كان لتأسيسنا القوي أثر إيجابي مقارنة بما يحصل في وقتنا الحاضر»، والرسالة تعليق على مقالي «حصة موسيقى»، التي حاولت فيها رسم صورة التعليم في الستينات من القرن الماضي، أما صاحب الرسالة فهو الصديق إياد بن سري، الذي لا ينقطع عن متابعة ما أكتب والتعليق عليه. وأرجع بالذاكرة إلى عام ١٩٨٢، حيث التقيت به موظفا جديدا بنفس المصرف الذي عملت به، وبعد كم يوم طلبني شاهدا على تصديق عقد زواجه، ومنذ ذاك التاريخ أصبح لهذا الإنسان الطيب وأسرته الكريمة مكانة في القلب. وأعود إلى موضوع رسالته التي تستحق الوقوف عندها، فمناهج الثانوية العامة وإن كانت باللغة العربية إلا أنها غنية ومحكمة بموادها. فمناهج الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا وكذلك الرياضيات كانت طوق النجاة لنا عند دخولنا الجامعات في أميركا، إذ ان دراستها كانت بالنسبة لنا إعادة لكن باللغة الانكليزية، فتفوقنا على أقراننا الأميركان الذين لم يدرسوا تلك المواد في ثانويتهم العامة، ما خلق لنا التوازن معهم: فنحن ندرس بلغتهم الأم، ومعظمنا كان متوسطا في اللغة الانكليزية، لكن مناهجنا في الثانوية كانت، وكما أسلف صديقنا بن سري، قوية ومنحتنا تأسيسا قويا. والشيء نفسه ينطبق على اللغة العربية والثقافة العامة، فلا أنسى دراستنا لعبقريات عمر وخالد للأديب عباس العقاد، ولا «هاتف من الأندلس» للكاتب علي الجارم. وفوق هذا كله، فمدارسنا كانت من دون تكييف، ولم يتوافر في الفصول إلا البنكات (المراوح)، فقط غرف المدرسين والناظر والوكيل اللي فيها تكييف والبقية «سلامة راسكم». ولاحظوا محد اشتكى من الحر ولا الرطوبة ولا من ساعات الدراسة الطويلة، فكانت مدارسنا بحق مصنعاً للرجال. ولم تقتصر المناهج فقط على صقل قدراتنا، بل منحتنا الجلد على تحمل تبعات الحياة. وأذكر عام ١٩٧٣ لدى اعتداء الجيش العراقي على مخفر الصامتة كيف هبت مدارس الكويت تنادي بالتجنيد، واستجابت الحكومة لنبض الشباب ووطنيتهم، وبسرعة فائقة تم تشكيل فرق الفتوة داخل المدارس الثانوية وقام ضباط الجيش بإعداد وتنفيذ دورة الفتوة التي التحق بها الآلاف من الشباب الكويتي. وما زالت شهادة تخرجي من تلك الدورة تتوسط صور وشهادات الماضي الجميل مذيلة بتوقيع الصديق خالد الفاضل الذي كان ملازما أول بذاك التاريخ. ومن بعدها أضحت دورة الفتوة من ضمن المقرر الدراسي بالثانوية العامة، ولا أدري متى ألغيت من المناهج وليش ألغيت، ويا ليت من تسبب بذلك أن يقف ويرى ما فعل بوطنه، ونصيحة من القلب للقائمين على مناهج التعليم، طلابنا ما يحتاجون مثل منهج الكفايات اللي محد فاهمه لا من الطلبة ولا اولياء الامور ولا حتى الكثير من المدرسين، واذا رغبتم بالافضل عودوا بنا الى مناهج التربية كما كانت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، فمخرجاتها واضحة للعيان، ولا تحاولوا وكما قيل «ان تخترعوا العجلة»، وخلوا عنكم توصيات وتجارب البنك الدولي ولا تقبلوا ان يكون ابناؤنا في حقل تجاربهم. وللذي لا يعلم، فالبنك الدولي هو من كان وراء هذا المنهاج الاعرج، وجزاكم الله خيرا.

وأختم وأقول مشكور بوعبد الرحمن على مداخلاتك الجميلة والله يديم الصداقة..

وتسلمون.

المصدر:جريدة القبس في عددها الصادر الإثنين الخامس عشر من أكتوبر ٢٠١٨ (الرابط الالكتروني)

بن سري Pdf

عدد الزائرين:

167 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr