الحداق الصغير
منذ أربعة عقود وأنا أطلع البحر، وعندي طراد بإحدى المارينات على الجون، وعادة أطلع في موسم الشتاء فقط، وما أباعد، ونادراً ما أطلع من جون الكويت، والله رازقني بصديق يحب الحداق والله يديمها من صداقة ممتدة منذ دراستنا معاً في مدرسة الفيحاء المتوسطة، ويرافقنا من حين إلى آخر الأحفاد، والصغير الله يحفظه يحب البحر، المهم طوال تلك السنوات كنا حريصين على نظافة البحر ولا يُمكن أن نُلقي أي نوع من أنواع المخلفات، وكذلك الأسماك الصغيرة ترجع البحر، وكذلك الجم يرجع البحر معززا مكرما، بمعنى أن هذه ثقافة بيئية غُرست لدى الأبناء والأحفاد منذ الصغر، وأضحت مبدأً، وكُنا قبل منع الصيد في جون الكويت نحدق عند «الطبعانة»، واللي ما يعرف الطبعانة فهي سفينة غرقت في جون الكويت منذ أكثر من أربعة عقود، وخوش محدق حواليها، وبعد المنع ظلينا حوالي الدعية والراس والركسة، وفي الثمانينيات كنا نطلع بأي من هذي المحادق القريبة والخير كثير بفضل الله ولكن الوضع الآن تغيّر ويقولون إن الثروة السمكية قلَّت في جون الكويت نتيجة الصيد الجائر، وهذا صحيح، ولكن الأصح التلوث الجائر أمام أعيُّن ومرأى المسؤولين عن البيئة، فما زالت جوارير مياه الصرف تنزف مخلفات الديرة بهذا الجون المسكين، ولا حد يقول إن تلك الجوارير لصرف مياه الأمطار، فهذا الكلام غير دقيق، والأمر ما يحتاج إلى مختبر، وما عليك سوى أن تقف فوق المجرور عند الجزر وشوف شنو يطلع وشم الروائح، والأخطر من ذلك كله أن هناك العديد من الورش الصناعية، ومنها ورش تصنيع الذهب، التي تستعمل الزئبق السام بعملها، غير ملتزمة بشروط البيئة، وتصرف مخلفاتها، إما عن طريق المجاري العامة أو المخصصة لمياه الأمطار، وهناك الكثير من المنشآت، خصوصاً القديمة منها، تلاقي مجاريرها موصولة بطريقة أو بأُخرى مع مجاري الأمطار، المهم أن ذلك أيضاً ليس المصدر الوحيد لتلوث الجون، وخلوني أقول لكم هذه القصة، فالحفيد عثمان ملّ من قِلّة الصيد وسألني في مكان ثاني؟ قلت له: والله الآن هيئة البيئة قامت تسمح بالصيد داخل الجون مقابل رسم بقيمة 5 دنانير، خلنا نجرب حظنا هناك أكيد بعد المنع الوضع صار أحسن، المهم الحدَّاق الصغير استانس، وقبل بيوم دفعت رسوم البيئة وكانت الطريقة حدها سهلة، وأخذنا ترخيص الصيد وشدينا الرحال تجاه جسر الشيخ جابر والجو جميل ومنظر الجسر والحداقة تحته أجمل، ولكن الحفيد سألنا ليش البحر وصخ وكله قشور برتقال وأكياس بلاستيك وعلب وخط طويل من المخلفات أشكال وألوان، ومن الواضح أن تلك المخلفات من إحدى السفن المتجهة إلى ميناء الشويخ او خارجه منه، سواء أكانت سفن صيد أو نقل الله أعلم، بس الجماعة فرغوا مخلفاتهم ومجاريهم بالجون ومن دون أي رقيب أو حسيب، المهم وصلنا إلى الطبعانة وغيرنا من هني وهناك والصيد كله يميام وجم نويبية والحمد لله، ولكن الصيد مو مثل قبل وهذا أكيد، وهني أتساءل ليش إلى الآن مشغلين ميناء الشويخ؟ فهذا الميناء والسفن التي ترسو به هي المصدر الأساسي لتلوث الجون، والسؤال الثاني ميناء مبارك الكبير المتأخر تسليمه وتشغيله إلى الآن لأسباب ما هي مفهومة عدل ويمكن تكون سياسية الله أعلم، ليش ما يكون البديل لميناء الشويخ؟ ويتحول ميناء الشويخ وما حوله من أراض ومنشآت مساندة له إلى مارينا حديثة ومراكز سياحية من أوتيلات، وكذلك مراكز أبحاث بحرية عالمية تُعنى بالمحافظة على الثروة السمكية وإعادة تأهيل الجون وتنظيفه من تلوثه؟ فمشروع مثل هذا ينعش الاقتصاد ويساهم في القضاء على أحد أهم مصادر التلوث الرئيسية في الكويت!
وما قدرت اجاوب الحفيد على سؤاله «ليش بحرنا وصخ؟»، واترك الجواب لحكومتنا الرشيدة ومجلس الأمة الموقر.
ولنا تكملة بالمقال القادم مع قصة الحداق الصغير عثمان.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الرابع والعشرون من يناير 2023 (الرابط الإلكتروني)
الحداق الصغيرPDF