البصمة الثالثة

essay image

صار لنا كم أسبوع والجهاز الحكومي ومعه الصحافة وآراء الناس تاخذ وتعطي بقرار ديوان الخدمة المدنية بفرض بصمة ثالثة على موظفي الدولة وتكون بمنتصف الدوام، طبعاً هذا الإجراء ما عجب الكثير، وأولهم بعض موظفي الدولة اللي تارسين القهاوي والمطاعم بأوقات الدوام، ويوصلون الصبح يبصمون وسيده إما إلى البيت يكمل النومة، وإما يذهبون يتمشون ويتريقون بمجمعاتنا الجميلة، وهذا التصرف غير أخلاقي وغير شرعي -ولا حد يزعل-، فهؤلاء الموظفون يأخذون رواتبهم كاملة مع بدلات ويبيعون إجازاتهم، وفوقها طبيات عن طريق تطبيق «سهل» من دون مراجعة طبيب، وفوق هذا ما يداومون؟ زين خلّ حد يقنعني بأن هذا التصرف أخلاقي وشرعي، وفوقها أيضاً هو غير قانوني، لأنه تلك التصرفات قد تُكيّف تحت معنى السرقة، وأذكر مرة وقبل عقود إبان عملي في أحد المصارف كان تحت إدارتي موظف آسيوي عنيد يحضر بالوقت ويخرج بالوقت بالضبط، وكان عندي معاه اجتماع، فمجرد ما دقت ساعة نهاية الدوام لمّ أوراقه وهمّ بالخروج وشغلنا ما خلص، طلبت منه يقعد ما رضي وما همه أحد، الصراحة حرني حيل، ناديته ثاني يوم وسألته عن هذا التصرف ورد عليّ برد فلسفي بدأه بسؤال: «إذا سبق أن أَهمل أو قَصَّر بعمله أو حتى تحرك من مكتبه إلا لدورة المياه؟» الصراحة حاولت أتذكر أي تقصير منه ما لقيت، فأكمل وقال: «العلاقة بين العامل وصاحب العمل هي عقد بيع وشراء»، ورددت عليه: «كمل يا فيلسوف زمانك، شلون؟» فتبسم ورد: «الموظف يبيع جزءاً من وقته إلى صاحب العمل، وصاحب العمل يشتري ذلك الوقت، وعقد البيع أو ما تطلقون عليه عقد العمل هو مرتكز على وقت ومقابل نقدي، فاتفق الطرفان أن يبيع طرف وقته إلى طرف ثان لوقت محدود مقابل مبلغ محدود، فبالتالي عقدي مع المصرف من الساعة ٧ صباحاً إلى ٢:٣٠ مساءً وكوني لست مقصراً بعملي فمالك حق أن تطلب مني وقتاً إضافياً من دون مقابل، فإن حبيت تشتري وقتا أنا مستعد أبيعك ساعتين»، طبعاً كلامه صج يحرّ ولكنه منطقي، لذلك وعليه إخواني موظفي الدولة إذا كان وقتكم هذا مباعاً للدولة فخروجكم من الدوام من دون مسوغ قانوني سوف يدخلكم وكما أسلفت في مشاكل قانونية وفي شبهة السرقة، وما تحمله من تبعات قانونية وشرعية، وحسناً فعلت الدولة بفرض البصمة الثالثة وحتى الرابعة إن تطلب الأمر، فليس من الإنصاف أن يُعاقب الموظف الملتزم بدوامه وهو شايل الوزارة على ظهره مع واحد ما يخاف الله ولا يحترم القانون، وأتمنى أيضاً على الدولة ضبط بعض السلوكيات غير المقبولة من بعض الموظفين اللي يخلون المواطن ينتظر، وهم طايحين له ريوق فطاير وفلافل وفول وحمص وإذا فيك خير كلمهم، ويمكن أغرب منظر شفته شخصياً بإحدى الهيئات الحكومية قبل عقدين من الزمن، وكان عندي حينها شغل هناك، ووصلت ووقفت عند الموظفة وقالت لي: «انتظر أخلص اللي في إيدي» وقلت لها: «مو مشكلة» وأخذت أراقب ما مدى أهمية العمل اللي في إيدها، وصاحبتنا حاطة كيس توست وعلبة مربى وزبدة «لورباك» وجبن وزيتون وعدة كاملة وقاعدة تسوي سندويشات حق ربعها الموظفات، انتظرت ساعة إلى أن انتهت من الإعداد وتريَّقت وريَّقت زميلاتها وبعدها شافت معاملتي وقالت لي: «المدير مو مداوم اليوم تعال باجر»، واللي أنا أقوله أن هناك البعض من الموظفين غير المنضبطين قاعدين يخربون على زملائهم وعلى مؤسستهم ودولتهم، فما يخالف، تقبلوا البصمة الثالثة وطولوا بالكم على حكومتكم، وهذا الضبط والربط بنهاية المطاف سوف يصب في مصلحتكم وفي مصلحة الوطن.

وتسلمون..

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء العشرون من أغسطس 2024 (الرابط الإلكتروني).

البصمة الثالثة -  PDF