لا تشخصنها..!
تكلمنا في المقال السابق عن كيفية التعامل مع الأشخاص السلبيين وتأثيرهم في طاقتنا اليومية، وذكرنا أهمية الحفاظ على سلامنا الداخلي من خلال وضع حدود واضحة وتجنب الانغماس في الشكاوى والتذمر، والظاهر هذا المقال استهوى ابن أخي عبدالله، فأثار معي جانباً آخر ألا وهو «التعامل مع النقد وكلام الآخرين الحاد أو تحلطمهم»، والذي قد يؤثر في حالتنا النفسية وثقتنا بأنفسنا، فكلنا نتعرض للنقد بشكلٍ أو بآخر، سواء كان نقداً بنّاء أو مجرد كلمات حادة قد تصدر في لحظات غضب أو سوء فهم، المشكلة ليست في النقد بحد ذاته، بل في الطريقة التي نتعامل بها معه، فالبعض يأخذ النقد على محملٍ شخصي، فيشعر وكأنه هجوم على شخصيته، بينما يمكن للنقد أن يكون فرصة للنمو إذا تم التعامل معه بعقليةٍ منفتحة، وطبعاً كلامه صحيح، وأنا شخصياً عندي هذه المشكلة، فعندما أنصح أو أتكلم بموضوع مهم ويحتاج شرح ومن دون شعور أو قصد يتحول الحديث إلى الحدة في الطرح، والشي هذا يزعل اللي جدامي، وبدال لا أخدمه زعلته يعني ما سوينا شي، وقد تخلصت بقدرٍ كبيرٍ من هذا الطبع منذ أكثر من عقدين، وذلك بفضلٍ من الله والكثير من التمرين الذاتي، ويمكن عبدالله عانى منه كونه تلميذي النجيب، مما جعله يُعقّب ويبعث لي مقتطفات من كتاب «الاتفاقيات الأربع» لدون ميغيل رويز، وبتصرف هو أحد الكتب التي تهدف لتحقيق السلام الداخلي من خلال أربع اتفاقيات أو قواعد تساعد على تحسين الحياة اليومية من خلال تغيير طريقة تفكيرنا وتفاعلنا مع الآخرين، ومنها قاعدة: «لا تأخذ أي شيء بشكلٍ شخصي»، هذا الاتفاق يعتبر من أهم الدروس في التعامل مع كلام الآخرين، فغالباً ما يعكس النقد أو الكلام الحاد مشاعر الشخص الآخر أكثر مما يعكس حقيقتك، فالناس يرون العالم بعدسة تجاربهم، وما يقولونه هو انعكاسٌ لما بداخلهم، وليس بالضرورة تقييماً دقيقاً لك، لكن كيف نطبق هذا الاتفاق في حياتنا اليومية؟ أولًا، علينا أن نتذكر أن كل شخص مسؤول عن كلماته وأفعاله، ونحن مسؤولون عن ردود أفعالنا، عندما تتلقى نقداً قاسياً، توقف لحظة قبل الرد، واسأل نفسك: هل ما قيل يحمل جزءاً من الحقيقة؟ هل يمكنني الاستفادة من هذا النقد لتحسين نفسي؟ إذا كان الجواب بنعم، فخذ منه ما يفيدك ودع الباقي يمر، أما إذا كان مجرد هجوم أو تفريغ مشاعر، فلا داعي للانشغال به، ومن المهم أخذ كلمات الآخرين ببساطة، فمثلاً شخص وجّه لك نصيحة أو نقداً، لا تأخذها بحساسية بل رد عليه: «والله خوش فكرة» أو «شكراً لك» أو «سأفكر بالموضوع»، أو ممكن توجيه الناقد لملاحظاته بدلاً من عباراته، فتعيد صياغة الحوار: «فهمت من كلامك أن لديك ملاحظة كذا وكذا»، وفي الختام، تذكر أن النقد جزء لا يتجزأ من الحياة، لكنه لا يحدد قيمتك الحقيقية، كما يقول رويز: «أنت تعرف من أنت، ولا يوجد شيء يمكن أن يقوله الآخرون ليغير هذه الحقيقة»، الحياة أقصر من أن نقضيها في الانشغال بكلام الآخرين، فاختر أن تستمع لما يساعدك على النمو، وتجاهل ما قد يثقل قلبك بلا فائدة. وأختم وأقول مشكور عبدالله على هذا النقد وتلك النصيحة، والتي آمل أن يستفيد منها الكثيرون.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الرابع عشر من يناير 2025 (الرابط الإلكتروني).
لا تشخصنها..! - PDF