المخالفات العقارية

essay image

في مقالات سابقة، تناولنا قانون الأراضي الفضاء وموضوع دفتر الدلال، ضمن سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على بعض القوانين والقرارات التي قد تؤدي أحيانًا إلى تعطل تنفيذها أو الإضرار بالمواطن والاقتصاد. اليوم، نعود لمناقشة كيفية معالجة القوانين والقرارات لموضوع المخالفات العقارية، موضوع تكلمت وكتبت عنه كثيرا لما له من اهمية، وعلشان نشرح ونوصل للفكره خلونا نستهل بالحديث عن المادة الـ38 من القانون رقم 33 لعام 2016 بشأن بلدية الكويت، التي تنص على: «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون آخر، يعاقب كل من أقام بناءً بدون ترخيص أو جاوز عدد الأدوار المرخصة أو تجاوز مساحة البناء المرخصة له أو استعمل المبنى بغير الغرض المخصص له، بغرامة لا تقل عن ألف دينار كويتي ولا تجاوز خمسة آلاف دينار، مع إزالة المخالفة ورد الشيء إلى أصله لكل متر مربع بناء أو استعمال مخالف للوائح المرعية في المباني الاستثمارية والتجارية والصناعية والحرفية والخدمية». وهذا النص يثير تساؤلات حول تطبيق العقوبات، خاصة عند مقارنته بالقانون رقم 5 لعام 2005، الذي نص على غرامات تصل إلى 10 آلاف دينار لكل متر مخالف. فهل تُطبق العقوبة الأشد من القانون السابق، أم تُعتمد الغرامة المحددة في القانون الجديد؟ وبالإضافة إلى ذلك، لم يتطرق القانون الجديد إلى القرار الوزاري لعام 2009، ما يثير التساؤل حول سريان نصوصه أو إلغائه. وفي حال إلغائه، كيف سيتم التعامل مع مخالفات القواطع داخل الشقق؟ هل أصبحت هذه المخالفات بلا عقوبة محددة؟ ترى محد يعرف الاجابة! من الملاحظ أيضاً أن القانون أضاف فقرة تتعلق بـ«استعمال المبنى بغير الغرض المخصص له»، ما يفتح بابًا جديدًا للمخالفات. فعلى سبيل المثال، في العمارات الاستثمارية، يُسمح بتأجير بعض الأنشطة التجارية في الدورين الأول والثاني، بينما تُخصص بقية الأدوار للسكن. لكن نلاحظ أن بعض العمارات تؤجر الأدوار العليا لمكاتب المحاماة، التي لا تتطلب ترخيصًا من البلدية. فهل يُعتبر هذا التأجير مخالفة تستوجب غرامة تصل إلى 5 آلاف دينار للمتر الواحد؟ فإذا كانت مساحة الشقة 100 متر مربع، فقد تصل الغرامة إلى 500 ألف دينار. وإذا كانت العمارة تضم 20 شقة مخالفة، فقد تصل الغرامة الإجمالية إلى 10 ملايين دينار، هذا اذا تم تفسير الاستعمال المخالف على الوحدات المؤجرة لغير غرض السكن. وهذا ينطبق أيضًا على زيادة المساحات التأجيرية. فإذا تم استغلال دور الخدمات بمساحة 200 متر مربع تأجيريًا، فقد تصل المخالفة إلى مليوني دينار. وفي هذا السياق، يُطرح سؤال: إذا تجاوزت قيمة المخالفة قيمة العقار، كيف سيتعامل القانون مع المخالف؟ هل سيتم الرجوع عليه شخصيًا بما يملك من أصول أخرى أو يُعرضه للإفلاس؟ وإذا كان العقار مرهونًا لمصرف، فمن يملك الأحقية بقيمة مبيع العقار: المصرف كونه دائنًا، أم الدولة بحق المخالفة؟ زين بالنسبة للعقارات الممولة من البنوك الإسلامية من خلال منتج الإجارة، حيث تظل الأرض باسم المصرف ويمنح المصرف وكالة للعميل للتصرف بالترخيص وتنفيذ المشروع، فإذا خالف العميل وأمعن في المخالفات والمصرف ما يدري، وجاءت البلدية لتُخالف، فالمسؤولية تقع على من؟ فالأرض والترخيص باسم المصرف، والعميل هو الوكيل. اعتقد، والأغلب، أن المخالفة ستقع على المصرف، الذي بدوره سيرجع إلى العميل. لذا، ننصح المصارف الإسلامية بأخذ الحيطة من التبعات القانونية لهذا المنتج، لأن هذا باب، وكما يقال اذا انفتح ما تصكر. والحين لنفترض أن البلدية قامت بمخالفة صاحب عقار وأمهلته حسب القانون اسبوعين للإزالة، وقرر المالك الالتزام والإزالة فهل يا ترى يستطيع ذلك؟ فيجب عليه أولاً إخلاء المستأجر من الجزء المخالف. فإن لم يُخلِ المستأجر العين بالاتفاق والتراضي، فعلى المالك اللجوء إلى القضاء. وللأسف، لا توجد مادة في قانون الإيجار تُجيز إخلاء العين كونها مخالفة لقانون البناء. وحتى إن كان هناك مخرج قانوني، فإن فترة التقاضي ستطول لأكثر من المهلة المحددة من البلدية. وفي حال إحالته للقضاء، فالغرامة والإزالة واقعتان لا محالة، فما الحل أمام هذا الوضع المعقد؟ مما سبق، يتضح أن تطبيق القانون بحذافيره قد يُدخل المواطنين والنظام المالي والبلدية في مشاكل يصعب حلها. واعتقد ان الحل سهل، فيجب وضع حد أعلى لقيمة المخالفة بالقدر الذي يُعاقب المخالف ويردع غيره، دون أن يؤدي إلى إفلاسه وإدخال النظام المالي في ربكة، ويجب أن تكون فترة المهلة التي تُعطى للمالك لإزالة مخالفته منطقية، فإزالة المخالفة تتطلب إخراج المستأجر وإزالة الجزء المخالف، وهذا يتطلب وقتًا يجب على مُعد القانون تقديره وكذلك يجب تعديل قانون الإيجار، بحيث لا يُعتد بأي عقد على عين مخالفة ولا يُصدر له أي رقم مدني. كما نقترح أن تدرس البلدية إصدار شهادة سلامة مبنى من المخالفات تُجدد كل سنتين، على غرار شهادة الإطفاء. بهذه الطريقة، ستُزال المخالفات من دون مشاكل، ولن يجرؤ أحد على المخالفة بعدها. وأكرر صياغة القانون والقرار فنٌ وإبداع...

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الرابع من فبراير 2025 (الرابط الإلكتروني)

المخالفات العقارية PDF