المؤرِّخ والأديب أحمد البشر الرومي

essay image

تَدين الحركة الثقافية الكويتية بالكثير لشخصياتٍ فذة تركت بصمات راسخة في مسيرة الإبداع والفكر في الكويت، ومن بين هذه القامات الشامخة يأتي الأديب والمؤرخ أحمد البشر الرومي، ذلك الرجل الذي كرّس حياته لخدمة تراث وطنه، وأضحى رمزاً للعطاء الثقافي الأصيل، ولا يُمكننا التحدث عن هذه الشخصية القديرة من دون العروج على مسيرة حياته، وذلك بالاستناد إلى الكثير من المراجع التي كتبت عنه، وفيها أنه ولد سنة 1905م، وتلقى تعليمه الأولي في المدرسة المباركية وهو في السابعة من عمره، وبعد سنوات، التحق بكتّاب الملا عبدالوهاب الحنيان، الذي كان من أهم المدارس الشعبية المتخصصة في تحفيظ القرآن الكريم وتلاوته، ليعود بعدها إلى المدرسة المباركية لاستكمال تعليمه، وذلك حتى عام 1921م. تميّزت حياة الأديب الرومي المهنية بالتنوع والثراء الفكري، فبعد تخرجه عاد إلى المدرسة المباركية معلماً، ثم انتقل للتدريس في المدرسة الشرقية الابتدائية أستاذاً لمادتي التاريخ والجغرافيا، ولم يقتصر عمله على مجال التعليم فحسب، بل انتقل لاحقاً إلى القطاع الحكومي، حتى أصبح وكيلاً مساعداً لأملاك الدولة بوزارة المالية، كما ساهم في إنشاء مركز الفنون والتراث الكويتي، ليكون بذلك حلقة وصل بين الأجيال وناقلاً للمعرفة والتراث، ولعل أبرز ما يميز الأديب الرومي عن غيره، منهجه الفريد في توثيق التراث والأدب الكويتي، إذ كان شديد الحرص على تحري الدقة في معلوماته، ساعياً دوماً إلى جمع المراجع من شتى المصادر، ولم يتوانَ يوماً عن السفر للحصول على المعلومة من مصدرها الأصلي. عاصر الأديب الرومي في حياته نخبة من الشعراء والأدباء الكويتيين البارزين، ولم يكتفِ بمعاصرتهم فحسب، بل عمل جاهداً على توثيق إنتاجهم الأدبي وإثراء المكتبة الكويتية به، تاركاً خلفة إرثاً عظيماً ومكتبةً زاخرةً بالعديد من المؤلفات القيّمة، ونذكر منها على سبيل المثال «كتاب مقالات عن الكويت»، الذي يضم بين طياته خمس مقالات عن تاريخ الكويت القديم والحديث، كمقالة «من تاريخ الأوبئة في الكويت وجاراتها»، ومقالة «كاظمة»، و«الفرزدق الكويتي»، و«المقر»، كما تزخر مكتبته بالكثير من الكتب والدواوين، ومنها: «ديوان صقر الشبيب»، هذا الديوان الذي يجمع فيه قصائد صديقه الشاعر صقر الشبيب، مستفيداً من علاقة الأخوة والصداقة المتينة التي جمعتهما، إذ كان الرومي الشخص الوحيد الذي يدخل بيت الشبيب في أواخر أيامه، ليحفظ بذلك تراثاً شعرياً ثميناً كاد أن يضيع، وكتاب «الأمثال الكويتية المقارنة» ويتكون هذا الكتاب من أربعة مجلدات كبيرة تضم 2206 أمثال كويتية، طبعت في مطبعة حكومة الكويت آنذاك، بالإضافة إلى «ديوان شاعر الكويت الشعبي فهد راشد بورسلي»، وهو عبارة عن ديوان شعري يضم مجموعة من قصائد الشاعر في مجال الشعر الشعبي، مع شرح للكلمات الغامضة والمناسبات التي قيلت فيها، ومن مكتبته أيضاً «معجم المصطلحات البحرية في الكويت»، وهو عملٌ توثيقي مهم بذل فيه الرومي جهداً كبيراً لحفظ المصطلحات البحرية المتداولة في الكويت، وغيرها الكثير من الأعمال والإصدارات القيّمة لا يتسع المقال لتناولها. وبذلك كان الأديب الرومي أحد أبرز رواد الثقافة والفكر في الكويت، فقد استنفد القسم الأكبر من سني حياته في خدمة وطنه فكرياً وثقافياً، مدوناً كل ما يمر على ذهنه من أفكار وملاحظات، خاصة فيما يتعلق بتراث الكويت وتاريخها وإنجازات أبنائها، لقد أدرك الرومي أهمية التوثيق والحفاظ على الذاكرة الثقافية للأمة، فعمل بجدٍ واجتهاد على جمع وتدوين ما استطاع من نتاج المبدعين الكويتيين، وبفضل جهوده الحثيثة، استطاع أن يضع لبنة راسخة في صرح الثقافة الكويتية، تشهد له بالفضل والريادة، وتبقى منارة تهتدي بها الأجيال القادمة... وتسلمون. 

 جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الخامس والعشرون من مارس 2025 (الرابط الإلكتروني).

المؤرِّخ والأديب أحمد البشر الرومي - PDF