«مطبق جم»

essay image

في الأول من شهر رمضان المبارك صادف يوم سبت، الجو حينها كان جميلاً وبريدات وشوية غيم، والبحر مثل ما نقول بعاميتنا «دهنة»، اتصلت على صديق الدراسة ناصر بن ناصر، وقلت له: «شرايك حداق اليوم؟». وصديقي ناصر حدّاق من الدرجة الأولى، ومن عشاق البحر والصيد، طلعنا وتنقلنا من مكان إلى مكان داخل الجون، وما كو شي غير الچم catfish المزعج، واللي بدأ يطلع مع ارتفاع درجة الحرارة، والحدّاقة بشكل عام ما يحبون الچم، لأنها سمكة مزعجة تُصاد بسرعة وتشربك الخيوط وتلوثها بمخاطها، وإذا ما نظفت الخيط عقبها ما راح تصيد غيرها، لأن الظاهر رائحتها تنفر بقية الأسماك، وبعض الحدّاقة، وللأسف، لما يصيدون الچم يحرصون على قتله قبل رميه مرة أُخرى في البحر، وهذا عمل ما هو بطيب ومضر بالبيئة البحرية، رفعنا خيوطنا وقعدنا نسولف عن هذه السمكة المظلومة عندنا بالكويت، وقلت لصاحبي: «خلنا نسأل صديقنا شات جي بي تي ChatGPT عن هذه السمكة وقصتها مع الكويتيين، المهم التقرير بعد الأخذ والرد، أتى صادماً على الأقل بالنسبة لي، فهذا البرنامج عجيب غريب، يكلمك ويناقشك كأنه واحد من الربع قاعد يسولف معاك، وخلوني أعرض عليكم الخلاصة وبتصرف، «لا يخفى على أحد التنوع البيولوجي والاحيائي الذي تتميز به الكويت، وتقف سمكة واحدة شاهدة على تناقضات الذائقة الشعبية والحقائق العلمية، إنها سمكة (الچم)، السمكة المظلومة في الكويت مقارنةً بباقي الأنواع، وتسمية هذه السمكة تعود في اللغة العربية إلى الكثرة والوفرة، ففي معجم البلدان جاء أن (الچم) في الأصل هو الكثير من كل شيء، والمعروف أن هذا النوع من الأسماك يتكاثر بسرعة، وينتشر في معظم قيعان البحر، ويغادر مياه الكويت شتاءً بحثاً عن المياه الدافئة، و(الچم) يعيش في المناطق الطينية والرملية من الخليج العربي، ويتواجد بكثرة في جون الكويت وقرب الجزر الكويتية، ويتم اصطياده عادةً بالشباك أو بالخيط، لكنه لا يُعتبر صيداً ثميناً، لذا لا تجد من الحداقة من يتفاخرون به، كما يفعلون مع الهامور أو السبيطي، وعلى كثرة وفرته في المياه الكويتية، فمعظم الكويتيين ينظرون إليه كسمكة من الدرجة الثالثة، وربما أقل، والسبب الرئيسي ليس فقط في طعمه، بل في شكله وجلده السميك، الذي يجعل تنظيفه مزعجاً عدا رائحته، ولكن بالعودة إلى الواقع العلمي، نجد أن الحقيقة مغايرة تماماً، وأن المعطيات العلمية تقول غير ذلك، فسمك (الچم) يحتوي على نسبة عالية من البروتين، وكمية جيدة من الأوميغا-3، مما يجعله خياراً صحياً للقلب والدماغ، كما أنه غني بالفسفور والمغنيسيوم والكالسيوم، وهي المعادن الأساسية والضرورية لصحة العظام والجهاز العصبي، ولكن المشكلة الأساسية، التي تواجه استهلاكه، تكمُن في أن الناس تحكم عليه من الشكل قبل أن تعطيه فرصة في الطبخ، وفي الواقع، إن هذا النوع من السمك يكون لذيذاً عند تحضيره بالطريقة المناسبة، فبعض الطهاة يفضلونه مشوياً بعد نقعه في التوابل لإبراز نكهته، بينما يُستخدم في بعض المطابخ الآسيوية، حيث يضفي مذاقاً غنياً بفضل عظامه، وسمك (الچم) لا يكون أبداً في قائمة الأسماك الفاخرة في الكويت، ولكنه بالتأكيد ليس بالسوء الذي يتخيله البعض، وهذا المشهد يتكرر مع أسماك كثيرة كانت تُعتبر غير مرغوبة، ولكن اكتشف الإنسان قيمتها الغذائية والذوقية، بعد أن عرف كيف يطهوها بالطريقة الصحيحة، كما أن هذا السمك بكثرته وفائدته البيئية الكبيرة يمثل جزءاً لا يتجزأ من النظام البيئي والتنوع الاحيائي الكويتي، ويستحق منا إعادة التقييم والرأفة به على الأقل». المهم قرّب المغرب وحنا ما عندنا سالفة إلا الچم ودفاع ChatGPT المميت عنها، رجعنا بيوتنا، ولكن ولا واحد فينا غيّر رأيه فيها وقال «أجرّب مطبق (چم)».

وتسلمون. 

 جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثامن من أبريل 2025 (الرابط الإلكتروني).

«مطبق جم» - PDF