مكتبة الرومي

essay image

أنا شخصياً من المعجبين بالأديب والمؤرخ الكويتي أحمد البشر الرومي، وسبق أن كتبت مقالًا عنه، وإن كان بتصرف، ولكن ذلك المقال لم يتّسع لذكر مكتبته الفريدة، وأعتقد أنّ مئة مقال لا تكفي لتغطية جزء من إرث هذا الأديب الكبير. لكن، ومتى ما أتيح المجال، لا بد أن نعود لبعض ذلك الإرث، لكي نبقى نذكّر الناشئة برجالات الكويت وإرثهم الثقافي والخيري، أما اليوم، وأيضًا بتصرّف، أعرض ما آلت إليه مكتبته، التي لم تكن مجرد مجموعة كتب، بل كانت تجسيدًا لفكر رجلٍ جعل من المعرفة مشروع عمر.

لقد كان حب القراءة والشغف باقتناء الكتب والمراجع هما الدافع الأصيل الذي أسّس من خلاله الرومي مكتبته العامرة، فقد قرأ في كل فن وعلم، فتنوعت ثقافته وتفرعت واشتملت على مختلف نواحي المعرفة البشرية، فلم تكن مكتبته مجرد حيزٍ لحفظ الكتب، بل هي امتداد لشخصيته الباحثة المتعطشة للعلم، ولا بُد من الإشارة إلى الجهد القيم، الذي قام به المؤرخ الدكتور يعقوب يوسف الغنيم، في كتابه «أحمد البشر الرومي: قراءة في أوراقه الخاصة»، حيث جمع العديد من كتابات ويوميات وإرث الأديب الرومي، وهنا نقتبس بعضاً مما وصفه عن مكتبة الرومي: «لقد كان اهتمامه كبيراً بالاطلاع والقراءة، إذ لا تخلو رسالة من رسائله إلى أصدقائه خارج الكويت من ذكر الكتب، والرغبة في اقتناء كل جديد منها، فكوَّن بذلك مكتبة زاخرة بكل فن من فنون الثقافة، هي اليوم من أهم الذخائر التي تحتوي عليها خزائن المكتبة المركزية التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فقد حرص على أن يوصي للمجلس بكل كتبه، التي أمضى العمر في جمعها بما عليها من تعليقات مفيدة وحواش ذات نفع كبير.. إضافة إلى ذلك، فإن صاحبنا كان على استعداد - في كل وقت - للجلوس إلى طلاب العلم، يرد على أسئلتهم، ويدلهم على المراجع التي تفيد أبحاثهم، بل ربّما أعارهـم مـن كتبـه مـا يستعينـون به علـى العمـل العلمـي الـذي هـم بصـدده، وكان - أيضًا - يرد على الأسئلة المكتوبة التي ترده من هؤلاء الطلاب من الكويت وخارجها، وما لفت نظري أن أحد طلاب العلم يسأله أسئلة عدة، يرسلها إليه بواسطة البريد من الخارج، فيرد عليها بإسهاب، ويحفظ صورة من الأسئلة وإجابته عنها بل، ويحتفظ - كذلك - بوصل البريد المسجل، الذي أرسلت بواسطته الرسالة»، ويصف الرومي في كتابه: «فهو على الرغم من أنه كان قد قارب الثمانين عاماً، كان يستعد قبيل وفاته بأيام للسفر للقاهرة، بحثاً عن مخطوط في دار الكتب.. وحينما ودّع أصدقاءه للسفر، لم يشعر أحد أنه وداع لسفر طويل».

وفي هذا السياق، يصف الأستاذ عادل محمد العبدالمغني، في كتابه «شخصيات كويتية»، مكتبة الرومي بأنها «كنزٌ ثقافي فريد»، إذ جمعت بين آلاف الكتب والمخطوطات، إلى جانب الرسائل القديمة ودفاتر حسابات الغوص والسفر، مما يشكل وثائق أصيلة للحياة الاقتصادية والاجتماعية في الكويت عبر عقود طويلة، كما لم يكتفِ الرومي بجمع هذه النفائس، بل حرص على تزويد مكتبته بجهاز ميكروفيلم لتوثيق المخطوطات النادرة والكتب القيمة، مما يعكس حرصه على تحقيق مضمونها العلمي والثقافي، وضمن محتويات المكتبة كذلك تسجيلات فنية نادرة للفن الشعبي الكويتي، منها ما يعود إلى المطرب يوسف البكر، مما يدل على عمق انتمائه للكويت، وحرصه على حفظ تراثها المتنوع، ولم يكن هذا الجهد الضخم مجرد مشروع عابر، بل كان مشروعاً وطنياً ممتداً، أصرّ على أن يُستكمل بعده، ففي لفتةٍ نبيلةٍ، أوصى الأديب الرومي، في يناير1981، بأن تُقدَّم مكتبته الخاصة إلى المكتبة العامة في الكلية التابعة لوزارة التربية، أو أي جهة تُعنى بالعلم والمعرفة، رغبةً منه في أن تظل ثمرة جهده الفكري والثقافي متاحةً للأجيال القادمة، للاستفادة منها والبناء عليها.

مكتبة الرومي لم تكن رفوفًا.. كانت رجلًا، وكان الرجل أمة.. رحمة الله عليه، وكما أسلفت أعلاه سوف أعود بمقالاتٍ أُخرى لأتكلم وأُعيد وأُكرر عن رجالات الكويت.

وتسلمون.

جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء التاسع والعشرون من أبريل 2025 (الرابط الإلكتروني).

مكتبة الرومي - PDF