علم الصيانة.. وفن التأهيل (2)
في المقال السابق تحدثنا عن أهمية الوعي البيئي وسلوكياتنا تجاه المرافق العامة، وكيف أن نظافة هذه المرافق ليست مسؤولية الجهات الحكومية وحدها بل هي مسؤولية مجتمعية شاملة تعكس ثقافتنا واحترامنا لوطننا، وسنكمل اليوم ما بدأنا الحديث عنه، لكن من زاوية مختلفة وأعمق بُعداً، ألا وهو موضوع صيانة المشاريع العامة واستدامتها، فالصيانة في حقيقتها ليست مجرد عملية بسيطة يقوم بها عمال النظافة أو فرق الإصلاح، بقدر ما هي فن متكامل يتطلب تخطيطاً دقيقاً ورؤية بعيدة المدى، بل إن هناك علماً قائماً بذاته يُعرف بـ «إدارة المرافق الحضرية» Urban Facilities Management وهو تخصصٌ أكاديمي يُدرّس في العديد من الجامعات العالمية ويجمع بين الهندسة المدنية والتخطيط العمراني واداره المنشآت، وبالإشارة قليلاً إلى جوهر هذا العلم فهو يهتم بوضع استراتيجيات شاملة للحفاظ على البنية التحتية للمدن، من طرقات وجسور وحدائق وشواطئ وغيرها من المرافق العامة، ويعتمد على مبادئ الصيانة الوقائية التي تتوقع المشكلات قبل حدوثها وتعالجها في مراحلها المبكرة، الأمر الذي يوفر التكاليف الباهظة للإصلاحات الكبرى لاحقاً، وهذا ما نراه ممثلاً على أرض الواقع في المدن الناجحة عالمياً، والتي لا تكتفي ببناء المشاريع بل تُعد خططاً محكمة لإدامة هذه المشاريع والحفاظ على حداثتها مع مرور الزمن، وعندما نتحدث عن الصيانة في سياقنا المحلي، يمكننا أخذ مثال قريب، كالطرق الجديدة بين منطقتي حولي والشعب، فقد نفذت هذه الطرق بتصميم جيد يتضمن جسوراً للمشاة ومحطات انتظار للحافلات وإنارة حديثة وغيرها، وفيه مثل هذه الجسور المكيفة على شارع الخليج وكل ما امر تحتهم يتراءى لي الزجاج الخارجي المغبر ومرات يصير مطين من اثر الأمطار والغبار والي اعتقد ما تنظف من يوم ما ركبوه طبعا، أيضا التصميم له دور فالذي صمم الجسر هل فكر شلون الزجاج يتنظف من الخارج واذا ما انحسب حسابه عند التصميم فما نقدر نلوم احد، وغير الزجاج هناك صيانة السلالم المتحركة والتكييف وكذلك النظافة العامة، ولا ننسى الامن ايضا فلا ندري شنو يصير داخل تلك الجسور المغلقة والمكيفة وهم بعد السؤال من سيتابع صيانة هذه المرافق؟ يعني هل فيه عقد مع جهة مسؤولة عن النظافة والصيانة شخصيا، انا ما ادري ولكن ان كانت هناك جهة فاعتقد وجوب المتابعة والمساءلة، لأن أي مشروع مهما كان متقناً في تنفيذه سيحتاج إلى صيانة دورية تضمن استمراره؛ ولعل من المفيد أن ننظر إلى تجارب بعض الدول الخليجية المجاورة والتي نجحت في تطوير منظومة صيانة مرافقها العامة، ومنها مثلاً دولة الإمارات الشقيقة، ففي إمارة أبو ظبي تحديداً طورت البلدية منظومة دقيقة لإدارة وصيانة المرافق، تشمل صيانة أكثر من 95 مليون متر تربع من الطرق والبنى التحتية سنوياً، وفق خطط تشغيلية تضمن جودة الأداء واستمرارية الخدمة، كما ألزمت المُلّاك بإجراء الصيانة الدورية لمبانيهم من الداخل والخارج، وربطت ذلك بإصدار تراخيص الأشغال وشهادات الصلاحية، في خطوة تهدف إلى تعزيز مبدأ المسؤولية المشتركة بين الأفراد والجهات الحكومية للحفاظ على المشهد الحضري والمرافق العامة، أما في دولة قطر الشقيقة فقد تبنّت هيئة الأشغال العامة نموذجاً متقدماً لإدارة المرافق العامة يعتمد على المراقبة الإلكترونية والتشغيل الذكي لشبكات الطرق وغيرها، مع تطبيق استراتيجيات الصيانة الوقائية التي ترفع من كفاءة الأصول وتقلل من تكاليف الإصلاح مستقبلاً، كما وأطلقت إطاراً قانونياً متكاملاً لتطبيق الشركات بين القطاعين العام والخاص في مجالات التشغيل والصيانة، ما أتاح المجال أمام الشركات المتخصصة لتقديم خدمات صيانة طويلة الأمد وفق معايير أداء دقيقة، ولا نذهب بعيدا، فعندنا في الكويت نماذج أيضاً أثبتت نجاحها وكفاءتها، وهذا ما نجده في مشاريع تأهيل الشواطئ المندرجة ضمن المبادرات السياحية الجديدة، والتي تحظى بعناية جيدة وتنظيف يومي وبرامج صيانة تشمل كل المرافق المتاحة والله يتمم عليها وانشالله ما تهمل مع الوقت حالها حال ما سبقها، ومن الأفكار الجديرة بالاهتمام أيضاً هو ربط التبرعات المؤسسية بالصيانة المستدامة، فمثلاً عندما تتبرع شركة ببناء مرفق عام يمكن أن يشمل هذا التبرع بنداً اختيارياً للمساهمة في صيانة للمشروع، كنوع من المبادرة المجتمعية التي تعزز مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
وفي النهاية، فإن التنمية الحقيقية لا تقف عند إنجاز المشاريع وافتتاحها، بل تمتد إلى ضمان استمراريتها على مر السنين، والتحديات التي نواجهها في صيانة مرافقنا العامة قد تكون تذكيراً مفيداً بأهمية التفكير في مرحلة ما بعد الافتتاح، وبضرورة وضع خطط صيانة واضحة ومستدامة لكل مشروع اما عن اعاده تأهيل المباني الاثرية فلها مقال قادم.
وتسلمون.
جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الحادي والعشرون من أكتوبر 2025 (الرابط الإلكتروني).
علم الصيانة.. وفن التأهيل (2) - PDF