شخص لا يختلف على محبته اثنان

 

 

 

سبحان الله، الموت حق، لكن له غفلة لولاها لساد الحزن الأرض ولا عمرت. وقد أنعم الله على الإنسان بالنسيان حتى يشق رحلة حياته التي كُتبت وجَفت صحفها. وقبل أيام وصلتني رسالة على الواتس أب معنونة بعاجل تقول بوفاة الفنان الكبير بوعدنان. انزعجت للخبر ولم أصدقه، حيث لم يجرِ تداول هذا الخبر من أي مصدر. فرددت على باعث الرسالة «حسبي الله عليك والله يعطي بوعدنان طول العمر». ولا أخفيكم مدى قلقي لمرض هذا الإنسان، وإحساسٌ قاتمٌ رافقني خلال تلك الأيام إلى ان أعلن رسمياً عن وفاته. ليس أنا فحسب، بل حتى ابنتي وكل من هم معي في لندن بدا عليهم التأثر الواضح بالخبر، وان كان كل منا يحاول أن يضيع السالفة كما يقال بعاميتنا.

وبوعدنان، رحمه الله، انسان نعرفه ككويتيين حق المعرفة، وكأنه أحد أفراد أسرتنا، وهو قد لا يعرف معظمنا. فمنذ أن دخل التلفاز منزلنا ونحن نعيش معه بضحكته وابتسامته الجميلة ونقده اللاذع البناء، وكنا نطلق عليه، لقب بوعليوي، الاسم الذي حمله ببدايات دربه الفني مع الكبار، رحمهم الله، عبدالعزيز النمش وغانم الصالح وخالد النفيسي، وأكيد سعد الفرج أطال الله بعمره.

كنا أطفالا نتغنى بمطلع مسلسله «يا أم عليوي عيب طلعتي براسي الشيب». ومازلنا نردد لزمات بوعدنان، وما زلنا نضحك ملء أشداقنا كلما شاهدنا مسلسل درب الزلق وكأننا نشاهده لأول مرة.

لم تكن لي معرفة شخصية به إلا خلال فترة الغزو الغاشم، فكنا نزور الأخ العزيز عبد العزيز السلطان بديوانية الجناعات كل يوم بعد صلاة الظهر، نوسع صدرنا شوي ونتتبع الأخبار وشنو حاصل بالبلد واخبار الطغاة وجرائمهم الشنيعة. وكان بوعدنان من وقت إلى آخر يمر الديوانية ويتحفنا بتجاربه اليومية مع أزلام صدام وكيفية تواريه عنهم. ورغم شدة الألم بذاك التاريخ الأغبر لكن لم يكن بيدنا إلا أن نبتسم كلما دخل علينا بوعدنان رحمه الله. ولم أره شخصيا منذ ذاك التاريخ الا على خشبة المسرح والتلفزيون. وقد سررت كثيراً، كما سر جل أهل الكويت، عندما قامت الدولة بتكريمه أثناء حياته واطلاق اسمه على أحدث المسارح في الكويت، وهذا أقل من حقه. وكم أتمنى ألا تنسى دولتنا العمالقة من الفنانين والفنانات زملاء درب بوعدنان بالتكريم خلال حياتهم، وكذلك من رحلوا عنا ولم يكرموا.

وأختم بالقول إن برحيل بوعدنان رحل أحد عمالقة الفن والوطنية والمحبة والكرم، شخص لا يختلف على محبته اثنان في الكويت، والحزن الأكبر ليس برحيل العمالقة فهذا حال الدنيا، ولكن كلما مات كبير ما عدنا نرى البديل، فهل أصابك العقم يا وطني؟

وتسلمون.

 

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الخامس عشر من أغسطس ٢٠١٧ ( الرابط الالكتروني)

شخص لا يختلف على محبته اثنان Pdf