عش الدبابير

 

 

 

طالعتنا الصحف بزيارة الوزيرة الدكتورة جنان بوشهري إلى أحد مراكز البريد، وأشارت إلى خصخصة قطاع البريد للارتقاء بخدماته. وللدكتورة جنان أقول لا شك عندي بوطنيتك وبقدراتك الإدارية والفنية، ورغبتك الصادقة في تطوير الأجهزة، التي تقع تحت مسؤوليتك، ولكن تخصيص قطاع البريد؟!

لأشاركك والقراء هذي السالفة التي عشتها قبل 27 عاماً، طبعاً أبطالها منهم من انتقل إلى رحمة الله، ومنهم ما زال مستتراً. فبعد التحرير تلقيت اتصالاً من زميل دراسة، الذي أخذ يتبوأ المناصب الحكومية كالصاروخ وما زال، وعزمني بمنزله. استجبت لدعوته حتى أعرف مقصده، ولأسمع منه أسرار الديرة، ففوجئت بعرضه عليّ مشاركته في تأسيس شركة، الغرض منها دخول المنافسة على طرح قطاع البريد للخصخصة، وقال لي «هذي فرصتك تدخل التجارة وتخلي عنك الوظائف». الصراحة توقعت انه قرر ترك القطاع الحكومي، والدخول في عالم التجارة، فقلت له «خلني أفكر لأن الموضوع كبير». ثاني يوم اتصل عليّ وقال «إذا ما عندك شي بمر عليك». مر عليّ والمفاجأة انه أخذني معه إلى منزل إحدى الشخصيات وعرفني عليه، وبعد كم يوم أخذني إلى شريكه في مقر عمله. الصراحة تملكني الفضول، فقلت في نفسي «أكمل معاه شوي وأعرف تالي السالفة». فقال «شنو قررت؟»، فسألته «شلون بتسجل حصتك بالشركة وانت موظف حكومي، يفترض تستقيل وبعدين تؤسس الشركة؟». صاحبي ضحك ملء شدقيه، وقال لي «حصصنا في الشركة راح نسجلها باسم فلان، وهو اللي راح يكون شريكك». فكملت معاه وسألته «وثلثا رأس المال راح تدفعونهما لفلان وهو يشارك؟». فأجاب «لا، ما راح ندفع ولا دينار، اللي راح يدفع رأس المال بالكامل هو انت، وحصتنا بالثلثين هي قيمة ضماننا ترسية مشروع التخصيص على شركتك، وبالمقابل راح تستفيد كثيرا من نفوذنا». فقلت له «مشكور وما قصرت، أنا قنوع وسعيد بوظيفتي وبما ورثه لي والدي رحمة الله عليه». المهم طلعت من الموضوع، وهم أسسوا شركتهم التي لا تزال تنتظر! واستقالت الحكومة وتغيّر الشخوص! ومن ذاك التاريخ، ومن يحب أن يرى بعينيه فليعد إلى أرشيف الصحف، فكل وزير يحلّ على هذا القطاع التالف يقول «راح نخصص البريد»، لكن يرحل الوزير ويظل البريد قابع في غياهب عش الدبابير. والظاهر متى ما كتب الله لبريدنا أن يتخصخص بأمانة وشرف فسيكون العالم قد ترك يومها نظام البريد الورقي إلى الأبد، وتحول إلى النظام المعلوماتي، وتبقى الكويت الوحيدة اللي عندها بريد ورقي ومحد يستعمله!

دكتورة جنان لم أورد القصة من باب التحبيط، لكنها قصة حقيقية وللأسف مثلها الكثير. وما أتمناه ويتمناه كل مواطن ان يُقضى على كل عش الدبابير!

وإن شاء الله أنت قادرة!

وتسلمون.

 

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الأربعاء الثالث من يناير عام ٢٠١٨ (الرابط الالكتروني)

عش الدبابير Pdf

عدد الزائرين:

265 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr