لو تصورنا

 

محطتي الأخيرة في الدول الاسكندنافية مع أسباطي كانت مدينة استوكهولم، والحمد لله طلعت خوش ديرة، وناسها جيدون، ويغلب عليها النظام والترتيب والجو العائلي، وهي أقرب إلى كوبنهاغن منها إلى أوسلو بالرقي والنظافة وجمال المدينة. واللي خلاني أكتب عنها زيارتي إلى مبنى البلدية هناك، الذي يعتبر من الوجهات السياحية. والصراحة ما كان ودي نزوره، لكن ذاك اليوم كانت الشمس حنانية والحرارة مرتفعة، ففضلنا نروح مكاناً مظللاً. والسبب وراء ترددي في هذه الزيارة كلمة «بلدية»، فبعد كل ما شفناه وما زلنا من بلدية الكويت صارت عندي حساسية، وفعلاً كما توقعت، بعد الزيارة حسيت بغم وهم، وخلوني أقول لكم شلون وليش. مبنى البلدية هناك شيد قبل مئة عام على يد مهندس سويدي، حرص على أن يتماشى تصميمه وتنفيذه مع عمارة القصور القديمة، حتى لا يخلق نشازاً بطابع عمارة المدينة، وشيد المبنى بمواد وأيدٍ سويدية، واستعمل ثمانية ملايين من الطابوق الطيني، وثمانية عشر مليون قطعة من الفسيفساء المذهب، جسدت رسومات تعكس الحضارة السويدية وحضارات أخرى، مثل برج ايفيل ومسجد آية صوفيا التركي، وغيرهما من الرموز العالمية، وعلى مر العقود ظل المبنى مركزاً لبلدية استوكهولم، ومع هذا ما طفح بالموظفين وقالوا نبني شبرات بالحوش ولا نعلي طابق من الجينكو، مثل ما عملوا بمبنى بلدية الكويت، مبنى الشيخ عبدالله السالم، هذا المبنى الجميل، الذي يعكس تاريخ الديموقراطية في الكويت، وكان من أكبر الأخطاء تسليمه ليستغل من قبل موظفي بلدية الكويت، بدلاً من ان يحول الى متحف قومي. المهم دخلنا المبنى برفقة مجموعة ومرشد، وكان أول كلامه «الرجاء الهدوء وعدم اللمس لوجود موظفين يعملون»، تصوروا موظفي بلدية ويدور عليهم سياح! ومن أهم الملاحظات أني ما شفت أثاثاً ممزقاً، ولا شفت ملفات مربطة بحبال ومرمية بالممرات، ولا شفت المئات من العمال البنغالية، ولا شفت موظفات فارشين الريوق على مكاتبهم، والمراجعين ينطرون ناشف ريجهم، ولا شفت راشين ولا مرتشين ولا شهادات أوصاف مضروبة، ولا شفت نائباً يتوسط عند وزير ويخليه يوقع «لا مانع» على كتاب مزور، ويتعدى على عقارات وقفية وأملاك للدولة، ولا شفت ترخيص حيازة أرض زراعية مساحتها 260 ألف متر لتستغل من شركة لوافد، وبقلب قوي يشيد عليها منشآت ويؤجرها بالباطن، وعلى عينك يا تاجر! ودخلنا قاعة المجلس البلدي السويدي الجميلة، وهناك طرت على بالي فكرة أشاركها معكم، فلو تصورنا أن، ولمدة سنة، الكويت تتبادل مع السويد ويعطونهم ربعنا من أعضاء المجلس البلدي مقابل ربعهم، فيا ترى ربعنا شنو راح يسوون في استوكهولم، وربعهم شنو راح يسوون في ديرتنا؟ والله ما ودي أكمل حتى لا يزعل أحد، لكن أترك لكل كويتي تصور الوضع على مشتهاه، وما أقول إلا حسافة عليك يا الكويت، ولن ينصلح حالك ما لم تصلح بلديتك.

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددخا الصادر الثلاثاء الرابع والعشرين من يوليو ٢٠١٨ (الرابط الالكتروني)

لو تصورنا Pdf

عدد الزائرين:

75 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr