الركيكة

 

أولاً، فلتسمح لي القبس والقراء الكرام بالإطالة هذه المرة، حيث لا يسعني الاختصار لأهمية الموضوع وترابطه، فاللي شفناه من موضوع تزوير الشهادات ما هو إلا رأس جبل الجليد والمخفي أعظم، فكل وزارة على ما يبدو عندها جبلها الخاص المثقل بالتزوير والتلاعب، بس يمكن لم يأت دورهم بعد بالفيلم، المهم موضوع الشهادات بدايته أقدم بكثير من هذا التاريخ، ولها اكثر من وجهة، فليس فقط التزوير والشهادات الوهمية، فهناك ايضا الشهادات الركيكة التي لا تقل خطورة، وخلوني اقولكم شنو اقصد بالركيكة، فهناك تجارب شفتها بعيني وباختصرها باثنتين ولن أذكر أسماء، إذ يهمني الموضوع لا الشكل، تاركاً للقارئ التحليل، وارجو محد يزعل. ففي منتصف السبعينيات عندما سجلت ببعثة أميركا مر عليّ زميل برفقة شخص مقرب من جمعية ذات طابع ديني مقدما لي النصيحة وشنو أسوي هناك ووين أروح ونصحني بمدينة اسمها «وستر»، وعطاني تلفونات طلبة هناك. دارات الأيام والتحقت بجامعة أخرى في نيويورك، وزرت وستر بالصيف والتي أضحت محج الطلبة الكويتيين، فهناك اكتشفت ما كان يطلق عليه ببيت «الأرقم»، وهو معقل لنفس الجمعية ويدار من قبل طلبة معظمهم ملتحقون بجامعة مرموقة، يعني القادة شغلهم عدل. أما الرعية، فمعظمهم في الجامعة التعبانة اللي ما يحتاج تحضر بس تسجل وخلاص ناجح، فالمهم عندهم ان يكون اكبر عدد! وعلى ما أذكر فعدد الطلاب الساكنين في البيت يزيد على ٢٥ طالبا ويرتفع العدد الى الضعف في عطلة نهايه الاسبوع، وهناك يغرس فكر الجماعة وتصدح الاناشيد الحماسية بأمسياتهم. وجماعة ثانية هم عندهم جامعة تعبانة في مدينة رالي. أما الزقرتيه، فعندهم شي شبيه في ضاحية أزوزا، وقد تخرج الكثير في تلك الجامعات الركيكة، ولاحظوا أن التوجيه من بدايته استقطاب سياسي بشكليه «الديني والليبرالي» للطلبة على حساب التحصيل العلمي والثقافي بغياب الدور الفعال للملحق الثقافي في ذلك الوقت.

وتجربتي الثانية في أوائل التسعينيات مع صديق بالداخلية وكنت أسولف معاه مرة وقال لي: «ليش ما تقدم على الدكتوراه؟».. فقلت له «ما عندي ماجستير ولا أقدر أتفرغ للدراسة، فشلون تبيني آخذ دكتوراه؟». فقالي إن ربعه – مجموعة تعمل في أحد المكاتب الحكومية ذات الطابع الاجتماعي – سجلوا للدكتوراه على حساب الدولة وهم على رأس عملهم وذلك بجامعة بريطانية معروفة وكلهم حصلوا الدكتوراه. فقلت «زين إذا الجامعة معروفة وتقبل الدراسة عن بعد فما عندي مانع». فأخبرني بأن المسؤول عن الجامعة موجود في الكويت. فقابلته وطلع دكتور سوري الأصل، وباختصار سجلت في الجامعة ودفعت الرسوم وعطيته فكرة المشروع وبدأت أعد الرسالة، وكل ما أخلص قسم أبعثه له ويبعث لي التقييم الأكاديمي، ولاحظت انه مو قاعد يصلح شي وما يعترض على شي إلى درجة إني كتبت له خرابيط في القسم الأخير وأيضاً جاني تقييم عالي، فتأكدت هالدكتور وراه سالفة عمية. ولدى زيارته الكويت طلب مقابلتي، وطلب أن أدفع له ١٠ آلاف دينار دفعة أولى وهو اللي راح يعد الرسالة ويخلص الموضوع، فقلت «انت روح ويجيك العلم». وللاسف فهناك البعض من ربعنا الكويتيين عندهم القدرة على تجنيد دكاترة واختراق انظمة جامعات مرموقة، وهذا من اخطر انواع التزوير، وبدوري تقدمت بشكوى للجامعة وطالبتهم برد فلوس الرسوم اللي دفعتها فأتاني الرد منهم بالرفض والتمسك بدكتورهم. المهم أرسلت لهم آخر ما كتبت من خرابيط مع التقييم الصادر عليه، وقلت لهم اذا مستوى المادة التي كتبتها يتماشى مع معاييركم فلكم مني الاعتذار. وبعد شهر استلمت كتاب اعتذار مع شيك من الجامعة واتصال من صاحبي يقول «شنو سويت بصاحبنا! متصل يبكي ويقول لهم صاحبكم ما هو بثقة خرب بيتي».

وبعد عشرين عاماً، أرد عليه واقول «احنا اللي انخرب بيتنا».

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الحادي والثلاثين من يوليو ٢٠١٨ (الرابط الالكتروني)

الركيكة Pdf


عدد الزائرين:

62 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr