من أرض الأندلس (١)

WhatsApp Image 2020 03 03 at 83258 AM

بعد ٣٣ عاماً من آخر زيارة لي إلى مدينة مالقة الأسبانية قررت اصطحاب أسباطي إلى أرض الأندلس بعطلة العيد ماخذها فرصة، فالجو ما زال باردا ولا يوجد هذا الكم الكبير من السّياح ومرتادي الشواطئ في هذه الأوقات من السنة، ومن قبلها بشهر وأنا حاط لهم الخريطة وأشرح لهم وين بنروح وشنو بنسوي وأحاول أن أغرس التاريخ في عقولهم، حيث إن مناهج التعليم عندنا ضايعة ما بين المناهج الحكومية الركيكة والمناهج الأجنبية التي تُدرس أبناءنا بما يراه الغرب، وأدري ما لهم خلق بما أقول ولكن أسوي نفسي ما ادري لربما يُغرس شيءٌ ما في عقولهم، فهذا الجيل صعب المراس، المهم عندي محطات كثيرة وكل يوم محطة وبها أختم الرحلة وأختم خمس مقالات أشرك بها القارئ الكريم بما رأيته وما حققته من أهداف، وبعيداً ولو بالقليل عن جو السياسة الملتهبة عندنا في الكويت وجو مشاكل البناء والتي أحاول أن ألخصها للمواطن الذي لم يسبق له البناء بسلسلة «ديروا بالكم أهل المطلاع»، والمحطة الأولى أبدأها بمدينة مالقة الجميلة، التي أفضلها شخصياً عن كل المدن والقرى الأندلسية، فهي أكثر أمناً وأكثر تنوعاً كنقطةٍ سياحيةٍ تلك المدينة التي تعاقبت عليها الكثير من الأمم وأهمها بنظري «الحقبة الإسلامية» وقد قامت مدينة مالقة بدورٍ تاريخي كبير في البناء السياسي والاقتصادي لدولة الإسلام في الأندلس، وبلغت قمة المجد والازدهار الحضاري في عصر الموحدين وقد أدى سقوط المدينة وسيطرة الأسبان عليها إلى وقوع مجزرة دموية كتب عنها التاريخ، وكان سقوط مالقة المفتاح الأخير لسقوط غرناطة المعقل الأخير لحكم المسلمين، طبعاً ما بين ما يسمع الأسباط من المرشد السياحي الأسباني وما بين ما يسمعونه من عندنا صار عندهم لخبطة، فالأسباني يقول الغزاة والقراصنة المسلمين وربعنا يقولون الفتوحات والحضارة الإسلامية، والجواب على ذلك أخليه بختام تلك السلسلة السياحية، المهم مالقة أيضاً مهد الرسام الأسباني بابلو بيكاسو، وهناك متحفٌ جميل بوسط المدينة يحمل اسمه، ويستحق الزيارة أيضاً، ومن أجمل المواقع السياحية الصعود إلى القصبة أو قلعة حكم المسلمين وبجانبها المدرج الروماني، وطبعاً وقفت عند حلبة مصارعة الثيران هناك تلك الحلبة واللي تصورت بها مع ابنتي عندما كان عمرها سنتين، وكنت قد حضرت تلك المباراة من باب المعرفة والتجربة، وأذكر حينها كنت أشجع الثور ضد مصارعه، الآن وتحت ضغوطات المجتمع المدني ومناهضي تعذيب الحيوان قلت وبشكل كبير تلك المباريات وهي في طريقها إلى الانقراض، وأضحت تلك الحلبات تستعمل للحفلات والأسواق المفتوحة وغيرها من الأنشطة المفيدة، وطبعاً الوصول إلى مالقة يعني رحلة إلى شاطئ الشمس، فإلى قرية ابن المدينة وميخاس وماربيا، طبعاً الأسوأ كانت ماربيا، وهي بنظري لا تستحق الزيارة، وقد يخالفني الكثيرون من محبي ماربيا، ولكن تلك القرية أكل الزمن عليها وشرب كما يقال ولا تُقارن بشبيهاتها في فرنسا وتركيا واليونان والبرتغال، وكما سمعت مِمَن قابلت من الأسبان هناك بأن المافيا والجريمة المنظمة أخذت تطغى بظلالها على محطة الأثرياء تلك، وطبعاً الأسبان ما تغيروا ومثل ما ودعتهم من أكثر من ثلاثة عقود ما زالت اللغة مشكلة عندهم بعكس جارتهم البرتغال، فهناك تشعر وكأنك في بريطانيا، إذ إن أغلبية السكان في البرتغال يتحدثون باللغة الإنكليزية وبطلاقة وهم أكثر وداعةً ولطفاً. ونكمل رحلتنا بالمقال القادم إلى إشبيلية، حيث ابن العباد صاحب «قَبرَ الغَريب سَقاكَ الرائِحُ الغادي».

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء السابع عشر من مايو 2022 (الرابط الإلكتروني)

من أرض الأندلس (١)  PDF

عدد الزائرين:

268 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr