«في كبد»
يقول الله تعالى في سورة البلد «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ في كَبَد» ويفسر ابن عباس الآية بقوله: إن الله خلق الإنسان وهو يكابد أمر الدنيا والآخرة...، واللي جاب الموضوع الحين هو حدوث ثلاثة أمور أمامي في يوم واحد، ومن باب النصيحة وددتُ إشراك القارئ الكريم معي، ففي صباح يوم الأحد وصلتني رسالة من زميلةٍ لي كانت تعمل معي في أحد البنوك قبل ٣٠ عاماً مضت، وتلك السيدة عربية الأصل كندية الجنسية وكان وضعها الوظيفي والأسري كما يقال عال العال، إلى أن أُصيب زوجها بمرض عضال عانت ولأكثر من عامين في علاجه ورعايته إلى أن توفاه الله، شخصياً وقفت معاها وسهلت لها كثيراً من أمر الدوام الى ان استقر أمرها، ودارت السنون وانقطعت الأخبار إلى صباح هذا الأحد، وتقول برسالتها إن ابنها الوحيد أصيب بنفس مرض والده وبنفس الفترة العمرية وتقول: أنا أعرف مصيره ولكن هذا قدر الله، وتكمل: لا أستطيع أن أصف لك حالتي ولكن اليوم شعرت أني أريد أن أتواصل معك وآسفة لازعاجك بأخباري السيئة، فرديت عليها برسالة ودعيت لابنها بالسلامة وبعدها ما سمعت منها خبر، وبنفس اليوم بلغني بأن بوصالح، وهو صديق قديم لي وإن كان يكبرني، مرّ على المكتب يسأل عني ولكن للأسف كان يتذكر فقط الاسم الأخير ومكان عملي والظاهر أنه أخذ يفقد الذاكرة بشكل كبير، فأحزنني كثيراً أمر ذلك الإنسان الخيّر صاحب الكلمة والفكاهة والمعرفة، كافل الأيتام والحريص على عمل الخير، أخذ يعاني الزهايمر، وبالصدفة تلاقيت في أحد المولات بسيدة نظرت لي وقالت: بوعثمان ما عرفتني، قلت لها اسمحي لي ما عرفتك، فردت مبتسمة وقالت أنا عملت معاك بذات البنك قبل ٣٠ عاماً، المهم تذكرتها وسألتها عن حالها فأجابت بهدوء: زوجي توفي قبل ١٣ عاماً وابني فقد نظره قبل ٣ سنوات وابنتي توفيت بمضاعفات كورونا، وأكملت وبكل هدوء: لقد خلقنا الإنسان في كبد، ما عرفت شنو أرد عليها غير الله يصبرك، وظلت سالفة ذلك اليوم تقرقع بقلبي طول الليل وأفكر وأقول سبحان الله طول النهار الناس راكضة وراء أعمالها ومصالحها، وبعضهم وراء جمع المال سواء صح ولا غلط مو مشكلة عندهم المهم يجمعونه، والكثير يشكي والأكثر مو عاجبه حاله والأيام تمضي والعمر تُطوى صفحاته بسرعة البصر، فبالأمس كانوا أطفالاً وشباباً وضحكة لا تغيب وشقاوة ولعب ولهو وكأن الشمس لن تغيب والوقت ليس بحسبان، المهم نصيحة لمن أراد أن يعيش سعيداً أن يعي تلك المعادلة، فالسعادة مرتبطة بالرضا والرضاء مصدره الإيمان بالقضاء والقدر، ومنغصات الحياة لها معادلة أُخرى، فرأسها الطمع وأوسطها الحسد وآخرها قصر النظر، فمن لا يرى نعم الله عليه إن أصبح بصحة وعافية وأمن وأمان ويكمل يومه بالتذمر والنكد وأذية الناس ولا يستطيع أن يرى الجزء الممتلئ من الكأس فقد خسر كثيراً في الدنيا والآخرة، فمشاكل الدنيا كثيرة وفيها شي يخلص وفيها شي لازم تتعايش معاه وتتقبله، والقصد هنا أن الحل يكمن بتقبل الأمر الواقع والتعايش معه والرضا بما قسم الله لنا.
***
ما يجوز
للأسف بعد مقالتي السابقة «بسّكُم تجنيس» قامت بعض وسائل النشر وخصوصاً على الانستغرام بنشر صورتي وتحتها سطر اقتُبس من المقال، وبعضهم حتى هذا السطر قاموا بتحريفه فوضعوا ما جاء في آخر الجملة بأولها، ولم يبيّنوا أن هذا من مقال منشور في القبس لمن يريد أن يقرأ، واللي صار هو أن عددا من الناس استفزتهم تلك الفبركة، وتعالوا شوفوا الكلام الجارح والكلام اللي ما له داعي، ونصيحة للجميع عدم تتبع والرد على مثل ذلك النشر فقد يكون من البتر بمكان، فلا يعكس حقيقة ما قيل فتظلمون أنفسكم بما تكتبون، وللأخوة أصحاب تلك المواقع أقول لهم: رجاءً تحري الدقة في النقل وذكر مصدر ما تنقلونه، فعلى الأقل تتركون لقارئكم الفرصة للتحري وفهم أصل الموضوع، والله يسامحكم ويسامح كل من أساء إليّ.
***
بمناسبة عيد الاضحى المبارك اتقدم لاهل الكويت الطيبين من مواطنين ومقيمين باحر التهاني والتبريكات وكل عام وأنتم بخير.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الخامس من يوليو 2022 (الرابط الإلكتروني)
«في كبد» PDF