تمخّض الجبل.. فأنجب فأراً

WhatsApp Image 2020 03 03 at 83258 AM

قبل شهر جاء في الصحف خبر أنقله لكم كما نُشر «في مسعى لإيجاد حلول عملية تسهم في تهدئة أسعار السكن الخاص، تم تشكيل لجنة حكومية بعضوية قياديين ممثلين لنحو 6 وزارات وجهات ذات صلة، بينهم وكلاء وزارة، للعمل على توفير مقترحات رئيسية يُعوّل عليها لمساعدة الحكومة في الحد من مخاطر تنامي أزمة الإسكان، ولا سيما بعد بلوغ طلباتها أخيراً نحو 94 ألفاً نهاية 2021».. صراحةً استوقفني هذا الخبر كثيراً وترويت أيضاً قبل أن أكتب وجهة نظري، فالجماعة مجتمعون وأهم ما توصلوا إليه هو اقتراح زيادة رسوم الكهرباء والماء على المنزل الثاني لأي مواطن يملك أكثر من منزل، واستثنوا منزل الزوجة الثانية إذا عنده، ويقولون إنه من أهم أسباب زيادة أسعار العقارات السكنية وتحولها إلى نقطة جذب لمطوري العقارات الاستثمارية هو انخفاض تكلفة الكهرباء، صراحةً وإن صح تحليلي لما نُقل في الصحف، فهذا الاستنتاج ينطبق عليه المثل القائل: «تمخَّض الجبلُ فأنجب فأراً»، وأستغرب هذا الكلام، فزيادة التكلفة من ٣ فلوس إلى ٥ ما راح تأثر كثيراً في التاجر، كلها فرق ٥٠٠ دينار في السنة وراح يحمِّلها المستأجر، ومن الممكن أن أفهم أن هذا الأمر سيزيد من إيرادات الدولة ولكن لا يمكنه أبداً كبح الأسعار ومنع تحول مناطقنا السكنية إلى استثمارية، طبعاً الجماعة ومع أنهم ذكروا السبب بنطاق سردهم للمشكلة ولكن الظاهر ما استوعبوه، فالذي جذب المستثمرين لبناء الأدوار والشقق ثلاثة أسباب وهي على النحو التالي: فالسبب الأول هو الطلب الكبير على مثل تلك الوحدات، فهم ذكروا أن هناك ٩٤ ألف طلب إسكاني والرقم بتزايد، أما السبب الثاني فيكمُن في ضعف جهاز البلدية الرقابي، والذي جعل المخالفات أساساً للبعض وليست استثناءً، مما يزيد العائد على استثماراتهم ضاربين بعرض الحائط القانون وما يحمل من جزاءات، لأنه وللأسف القانون بلا تطبيق لا قيمة له، أما السبب الثالث وإن لم يكن الأخير، فهو نسبة البناء العالية في السكن الخاص، والتي أضحت تقارب نسبة البناء الاستثماري مع انخفاض تكلفة البناء مقارنةً مع الاستثماري، مع سهولة أخذ الاستثناءات من قياديي البلدية في السكن الخاص مقارنةً في الاستثماري، تلك هي العوامل الرئيسية في تلك المعضلة وحلُها لا يتأتى برفع رسوم تكلفة الكهرباء والماء، فهذا به تسطيح للمشكلة، وحل هذه المشكلة لا يمكن أن يتم ما لم يُقضَ على طوابير انتظار السكن، وطبعاً هذا الحل يتطلب ميزانية ضخمة لدعم البنية التحتية وزيادة قدرة البلاد في إنتاج الطاقة الكهربائية وغيرها، كما يحتاج إلى جهازٍ حكومي أكثر قدرة على إدارة هذا الملف، وللأسف فان هذا الأمر قد يكون مستبعداً حسب المعطيات التي أمامنا، والحل الثاني الذي يجب أن يواكب الحل الأول ويكون الرديف الأساس لحل تلك المعضلة، هو: إشراك القطاع الخاص بتطوير مدن إسكانية ذات نظام هيكلي يختلف عما هو قائم الآن، ومن خلال شركات مساهمة تؤسس لهذا الغرض ويساهم بها المواطن وعلشان أختصر عليكم الأمر، فقد عُرض عليِّ مخطط إسكاني في الخبر، واستغربت أن المخطط يشمل خمسة قطاعات، فالقطاع الأول استثماري ذو كثافة عالية، والقطاع الثاني تجاري، والثالث سكني بكثافة متوسطة (عمارات ذات شقق كبيرة ولا يزيد ارتفاعها على ٣ أدوار)، والرابع سكني فلل اقتصادية (قسائم ٤٠٠ متر مربع)، أما الخامس فهو للفلل الفخمة (قسائم تزيد مساحتها على ١٠٠٠ متر مربع)، ناهيك عن الخدمات من مساجد وحدائق وغيرها، المهم والجميل في الموضوع أن حركة المرور ومواقف السيارات مدروسة عدل، وأصحاب تلك المشاريع لا يُسمح لهم بالبيع إلا بعد إتمام البنية التحتية، وعلى حسابهم، والقصد أن مثل تلك المشاريع المدروسة مع نظام تمويل للمواطن يمتد إلى ٣٠ عاماً، يزيد من قدرة المواطنين من متوسطي الدخل في توفير سكن مناسب لهم ويخفف من الضغط على الدولة وينعش الاقتصاد أيضاً، أما تلك اللجنة صاحبة فكرة زيادة تعرفة الكهرباء لحل الأزمة الإسكانية، فأقول لهم جزاكم الله خيراً وما تشوفون شر.

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء التاسع عشر من يوليو 2022 (الرابط الإلكتروني)

تمخّض الجبل.. فأنجب فأراً PDF

عدد الزائرين:

248 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr