إلى لقاءٍ دائمٍ.. «بيت الزكاة»

تلقيتُ اتصالاً يُبلغني به قرار مجلس الوزراء بِحَلِّ عددٍ من مجالس الهيئات الحكومية، والتي كان من ضمنها بيت الزكاة، طبعاً كلنا قرأنا بالصحف توجه الدولة بهذا الخصوص، فما كان بالشيء الجديد، وبالنسبة لي الوضع لم يتغيّر كثيراً. فعلاقتي مع تلك المؤسسة الرائعة ممتدةٌ منذ أكثر من ١٥ عاماً، فبيت الزكاة هو الذراع التنفيذيّة لكافة مشاريع وقف الوالد - رحمه الله - في داخل الكويت وخارجها، ومرَّت عليّ أربع حقبٍ إدارية خلال تلك الفترة، من حقبة الأخ عبدالقادر العجيل وفريقه، إلى حقبة العزيز إبراهيم الصالح، تليها حقبةُ الإنسان الطيب محمد العتيبي، وأخيراً حقبة الأخ والصديق الدكتور ماجد العازمي، وكنتُ قد تعرفتُ خلال تلك السنوات على خيرةِ رجالات الكويت وأطيبهم وأنظفهم يداً وسريرة، ومن خلال تلك العلاقة الطويلة، ومن خبرتي المصرفية، تكونت لديَّ رؤيةٌ بمكامنِ القوةِ والضعف، وكانت لدي أمنياتٌ بألا يُصيبَ هذا البيت ما أصاب العديد من هيئاتِ الدولةِ من تَصدّعٍ وشيخوخةٍ، وتشخيصي لوضع البيت جاء وكما توقعت إبان تكليفي بعضوية مجلس إدارتهِ، فمعَ الوقتِ وتغيّر الإداراتِ وتعاقبها نَجدُ تزاحماً باللوائح وتراكماً بالإجراءات الإدارية، يُدخلُ الموظف بدوائر مفرغة يُضيّع جُهدَه وقد يَصلُ به الحال إلى درجةٍ من الإحباط، ولذا فقد حرصت على عدم الاشتراك بأي لجنة من لجان المجلس، واكتفيتُ بالإنابة عن الوزير في حال تعذّرَ حضورهُ اجتماعات مجلس الإدارة، وفي ثاني اجتماعٍ للمجلس تقدمت بمشروعٍ يَرعى تطبيق أُسُسِ الحوكمة وإدارة المخاطر بشكل عالي المهنية ويتماشى مع المعايير الدولية، مشروعٍ واعدٍ يعيد للبيت حيويته ويجعله أكثر تنافسية وإنتاجية، ويتطلبُ جهداً ومساندة مكاتب استشارية ذات اختصاصٍ، كما ويتطلبُ تدريباً فنياً لكوادر المؤسسة، وكذلك تطبيق أُسُسِ الميكنة بشكلٍ متكاملٍ لتتماشى مع مخرجات المشروع، بالنسبة لي إن مثل هذا المشروع لَمِنَ السَّهلِ تنفيذهُ كوني طبّقتهُ أكثر من مرة وفي أكثر من مؤسسة، ولكن التحدي كان بأن يُطبَّقَ هذا المشروع بمؤسسةٍ حكوميةٍ وبوقت قياسي، فطلبتُ من المجلس حينها تشكيل لجنةٍ تُعنى بتنفيذِ هذا المشروع مُشكّلةً برئاستي وعضوية السيد المدير العام وكوكبةً من مديري الإدارات والأقسام تم اختيارهم بعناية فائقة، تشكيلةٌ تضمن زرع ثقافة الحوكمة وإدارة المخاطر بكل أقسام البيت وإداراته، ومن خلالهم نستطيع تدريب أكبر قدر ممكن، المهم وعلشان ما أطول عليكم.. المجلس وافق ودعم المشروع وبقوة وتشكلت وقتئذٍ اللجنة، ولاختصار الوقت وبمجهود شخصي فقد قمتُ بتكليف مكتبي تدقيق من الفئة الأولى، وممن سبق لهما العمل مع مؤسسات حكومية، وتم إعداد دراستين منفصلتين بينتا مواضع الخللِ وكيفية التصويب، وذلك العمل تمَّ ومن دون مقابل، يعني مثل ما يقولون اخوانا المصريين «جدعنة»، وهم عارفين أن آلية المنافسة على المشروع سوف تتم حسب النظم واللوائح المتبعة، ولكن لعلاقتي معهم ولمحبتهم لتلك المؤسسة ما قصروا ولهم مني كل الشكر والتقدير، وبعدها أَعددتُ نطاق الأعمال وقدمتهُ للجنة بشكلهِ المتكامل، وكان دوري استشارياً وتثقيفياً أكثر مما هو عضوية مجلس ورئاسة لجنة، إلى درجة كنتُ أرفضُ الجلوس على رأس الطاولة، وكنت أُصرُّ بأن يكون المدير العام بهذا الموقع لقناعتي بأن هذا المشروع لن يرى النور ما لم تكن هناك قناعة كاملة به من قبل الجهاز التنفيذي، وإلا سوف يتعثّر عند أول مَطب، وكملت المشروع بربط البيت ببرنامج تدريبي مع أحد البنوك الإسلامية الرائدة تطوعاً، بحيث يخضع أعضاء اللجنة لدوراتٍ داخل البنك للاطلاع على أُسس الحوكمة وإدارة المخاطر، ولموظفي البيت محاضرات دورية، وذلك لغرس ثقافة المشروع بين أضلع المؤسسة، المهم أعتقدُ أنني قد نجحتُ بزرع شتلة لتطوير العمل في المؤسسة و«رشقنتها»، وأجمل ما في هذا الموضوع العمل مع كادرٍ كويتي يُعتزُ به، فشكراً إخواني وأخواتي أعضاء اللجنة، وأقول لكم هذا المشروع أضحى الآن مسؤوليتكم وإني على ثقة بنجاحكم، والشكرُ موصولٌ إلى إخواني أعضاء مجلس الإدارة المعينين منهم والدائمين، وإلى كل العاملين في المؤسسة، ولا أقول وداعاً بيت الزكاة بل إلى لقاءٍ دائمٍ على دروب الخير التي لا تنقطع!
***
وقبل أن أختم، أتمنى من معالي وزير المالية إعادة النظر بميزانية بيت الزكاة، فتقليم الميزانية بهذا الشكل سوف يؤدي بلا شك الى تفاقم المشكلات الإدارية، والتي سوف تعيق أداء تلك المؤسسة الرائدة أكثر مما هي عليه.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثالث عشر من سبتمبر 2022 (الرابط الإلكتروني)
إلى لقاءٍ دائمٍ.. «بيت الزكاة» PDF




