مشروع «إجلاء» الكويتيين (2)
تكلمنا بالمقال السابق عن مشروعٍ تُعدهُ البلدية يهدف لمنع وتجريم تأجير الوحدات السكنية في مناطق السكن الخاص، وطبعاً مثل هذا المشروع لا يختلف كثيراً عن بقية مشاريع القوانين والتي تنقصها الرؤية والحبكة القانونية وصعوبة تطبيقها على أرض الواقع، المهم ولما يحمل هذا المشروع بطياتهِ من خطورةٍ كبيرةٍ على المواطن الكويتي وعلى الاقتصاد فوجبت بذلك النصيحة، فأنا شخصياً من أكثر المواطنين تضرراً من عشوائية التأجير من الجيران، ولكن مشروع البلدية لن يحل المشكلة بل إن صدر فسوف يوضع على الرف ويُطبق على ناس ويخلي ناس، ما اعتقد البلدية تقدر تقرب صوبهم، فمخالفات البناء بأشكالها خطيئةٌ كُبرى فرسانها البلدية والمواطن والمُشرع، مسرحية نرى البلدية والمُشرع ياخذون دور القاضي والجلاد وتركوا دور الضحية للمواطن، وهذا ظلم الله ما يرضى فيه، والقصد هنا أن الحل يأتي بتعاون المُخطئين الثلاثة، وبداية الحل تكون بوجوب تشريعٍ يُلغي كل عقود الإيجار وآثارها التعاقدية عن كل عين مخالفة لقانون البناء، وبهذا التشريع يستطيع المواطن بعد إخلاء المستأجر أن يُزيل المخالفة بالمهلة التي حددها المشرع، حيث كل التشريعات السابقة غفلت عن هذا الأمر، فيقع المواطن بين سندان قانون الإيجار ومطرقة قانون البلدية، وكذلك تشريع يجبر وزارة الكهرباء تلقائياً على فصل التيار الكهربائي عن أي عين مخالفة، فهذا الإجراء ليس فقط يساعد المخالف على ازالة مخالفته بل يجعل الوحدات المخالفة غير مرغوب بتأجيرها لِما فيها من مخاطر الإخلاء، ثانياً إعادة النظر بآلية تطبيق المخالفات فهي بلا سقف بموجب قانون 2016، كمثال لو كان هناك دور خدمات بمساحة 500 متر² وصاحب العمارة مؤجره فالغرامة تصل إلى 2.500.000 دينار بمعنى قد تفوق قيمة المبنى والأرض، وهذا الأثر يمتد ليس فقط على المواطن بل إلى النظام المالي أيضاً، حيث نسبة كبيرة من تلك العقارات مرهونة للبنوك ولا حد يستغرب لو قلت إن %70 من عقارات الكويت مخالفة، المهم خلونا نرجع إلى موضوع مشروع إجلاء المستأجرين من المناطق السكنية، وأعتقد أنه من الممكن إيجاد حل ناجع ولكن يتطلب تعاون المُخطئين الثلاثة، فإضافة إلى ما أسلفت أعلاه الحل يكمن في الآتي:
1– يتم حصر كل العقارات السكنية المخالفة مخالفةً جسيمة، مثل تقسيم المنزل إلى 12 شقة وأكثر وبناء دور رابع وخامس، وهؤلاء يعطون مهلة كافية لإخلاء المستأجرين ودعمهم تشريعاً لتمكينهم من ذلك وبعدها عليهم الإزالة والتزام الترخيص الرسمي.
2– يمنع تأجير غير العائلات الكويتية والسلك الدبلوماسي بمناطق السكن الخاص.
3– يمنح المستأجرون من العائلات الوافدة مهلة 5 سنوات لإيجاد سكن بديل.
4– تستحدث مناطق بكود بناء جديد للكثافة المتوسطة كما كان سابقًا، ويسمح بتقسيم المبنى إلى شقق كبيرة لا تقل مساحتها عن 150 متراً² مع توفير مواقف سيارات كافية في السرداب، وذلك لاستيعاب العائلات الكبيرة الوافدة منها أو الكويتية، ومن الممكن أن تحول بعض المناطق والتي غالبية مبانيها القائمة مُعدة للتأجير أدوارا أو شققا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكمثال منطقتا سلوى والجابرية. لأن مثل تلك المناطق ليس لها حل وتلك حقيقة وجب التعامل معها.
5– تحفيز مطوري العقارات الاستثمارية لبناء عمارات تستوعب وتغطي الطلب على مثل تلك الوحدات بأسعارٍ مناسبة، وذلك لا يتم إلا بتغيير كود البناء وزيادة نسبة البناء المشروط بحجم الشقق ومواقف السيارات بالقدر الكافي لتحفيز المستثمر لتقديم مثل ذلك المنتج.
ما جاء أعلاه سوف يؤدي إلى حل عادل يسهم بالحدِّ من المخالفات وإزالتها بلا ضرر ولا ضرار، إضافة إلى أن حصر التأجير في المناطق السكنية للعائلات الكويتية يؤدي إلى انخفاض الإيجار نتيجة زيادة العرض عن الطلب، وكذلك يكون حلاً منطقياً للمناطق ذات الأغلبية الاستثمارية، والتي سوف توفر مخزوناً جيداً من الوحدات الكبيرة تغطي احتياجات العائلات الكبيرة وبالوقت نفسه يقوم القطاع الخاص بتوفير مخزون آخر يخدم الطلب بأنواعه، والقصد هنا أنه لولا جمود قانون البناء وعدم تماشيه مع العرض والطلب ومتطلبات التركيبة السكانية لما رأينا هذا الكم الهائل من المخالفات.
آمل أن أكون قد قدمت ما يفيد للمُخطئين الثلاثة، وآمل ألا نرى مُخطئين ولا أخطاء في هذا الوطن.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الحادي والعشرين من فبراير 2023 (الرابط الإلكتروني)
مشروع «إجلاء» الكويتيين (2)PDF