دُور القرآن الكريم
طبعاً اللي قاعد يصير منذ استقالة الحكومة وغيابها عن حضور الجلسات وترك المجلس يسرح ويمرح كما يقال أمرٌ ما مرَّ على الكويت، لِما فيه من تناقضاتٍ وتنازلٍ عن مبادئ وتبادلٍ للأدوار ونقلٍ وندبٍ وتراجعٍ عن التراجع، وتسريباتٍ لمستندات يفترض بها السرية ما لم تكن سياسة أعطيك بيد وأفضحك بيد أُخرى، واكثر ما يحزن تدني مستوى الخطاب والخطابة بشكل غير مسبوق عند بعض الأعضاء وكذلك بعض المواطنين المؤثرين، مشهد يقول للمواطن «خبز خبزتيه يا الرفلة إكليه»، وأخطر ما في الأمر ضياع البصيرة والمنطق، وباخذ مثل من إحدى فرقعات حكومتنا ومجلسنا الموقرين خلال هذه الفترة، وأتكلم عن العاملين بدور القرآن الكريم، والصراحة أول مرة أسمع بأن هناك دواما في بعض مراكز الدولة بمدة 3 ساعات فقط ويتقاضون راتبا كاملا، واحتجاج العاملين ونقاشهم مع معالي وزير الأوقاف وردهُ عليهم حرك شهية السوشيال ميديا وفتح «باب مصكر» كما يُقال، المهم ومن المنطق أن الدوام يُحدَّد من قبل ديوان الخدمة المدنية، وإذا الوزير طبق القانون فهذا واجبه بلا شك، لكن ودي أحلل الوضع بشكل موضوعي ومن ثم أعطي رأيي الشخصي وخصوصاً بما يتعلق بدور وأهمية مراكز القرآن الكريم، فقد استوقفني تصريح لإحدى الأخوات العاملات تقول: «إن فترة الدوام تلك منذ 53 عاماً»، وأفادت أُخرى بأن «بيئة العمل غير مناسبة فعدد المُدرسات يصل إلى 90 مُدرسة ولديهن فقط فصلان، وما فيه مكيفات ولا أماكن لجلوس المعلمات»، بينما أفاد آخر بأنه «ليس هناك عددٌ كاف من الطلبة قائلاً: اعطوني دارسين ومستعد أداوم أكثر»، وطبعاً ما أستغرب هجوم بعض النواب على القرار ومحاولة تسييسه مذهبياً بدلاً من أن يكون إدارياً، والبعض الآخر ارتأى الصمت لأن هاجس إبطال المجلس أو حلّه ما زال قائماً وقد يكون وراهم انتخابات وما ودهم يزعلون أحد، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كم عدد مراكز دور القرآن الكريم والسراج المنير وحلقات القرآن؟ وما الفرق بينها؟ وكم عدد العاملين فيها؟ والأهم نبي إحصائية بعدد الدارسين المُلتحقين بها، وإذا كان في رسم بياني يوضح زيادة أو انخفاض أعدادهم خلال السنوات السابقة، هنا فقط نستطيع أن نضع النقاط على الحروف، لأن العبرة الأولى من تلك المراكز هي العناية بكتاب الله وليست لتوظيف الفائض من طالبي الوظيفة، فإذا كان أداء تلك المراكز يُحقق أهدافها وبكفاءة فيضحي أيّ أمرٍ غير ذلك ثانويا، ولكن السؤال الكبير هنا هل هو الواقع؟
أعزائي أهل الكويت عندنا مشكلة كبيرة ألا وهي ضياع اللغة العربية لغة القرآن الكريم عند الطلبة والناشئة، وهذا أمرٌ ما حد يقدر ينكره، واللي ما يعرف يقرأ عربي شلون بيقرأ القرآن؟ وكم أتمنى إعادة تسمية تلك المراكز باسم «ركائز اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم»، وتطوير مناهجها وأهدافها لتُعنى باللغة العربية ويكون لها برامج تدريس من خلال المراكز و«الأون لاين»، وكم أتمنى أن يعود نظام النشاط المدرسي كما كان أيامنا ويكون عمل تلك المراكز من خلال المدارس، فبهذا تصبح المراكز والعاملون فيها لهم صفة الديناميكية، ويضحي أداؤهم هو المعيار، ومن الضرورة التعاون مع وزارة التربية وخصوصاً فيما يتعلق باللغة العربية لتقوية الطلبة قراءةً وكتابةً وحفظاً للقران، وبذلك يثمر هذا الأداء ويُحقق الهدف المنشود لتلك المراكز، ولا ننسى أن يُحفَّز القائمون على تلك المراكز ليس مادياً فقط بقدر ما هو معنوي، فهم بعملهم هذا لهم أجران، الأول ما يتقاضونه من راتب والثاني والأهم الأجر الكبير عند الله سبحانه وتعالى، والعكس صحيح فمن اخذ راتبا منهم وما داوم او قصر بعمله فذنبه عظيم هو ومن توسط له ومن سمح له ولم يحاسبه، فتلك هي مراكز القرآن الكريم فان هي لم تحترم فما بال بقية اجهزة الدولة، وتلك الرسالة آمل أن يعيها جيدا نواب الامة وحكومتنا الرشيدة، فهجمة التغريب على ابنائنا ما تحتاج قوانين وصاية وتضييقا على الحريات وثقافة العصا لمن عصى ترى كل هذا ما يفيد، بل تحتاج الى الحكمة والموعظة الحسنة والجهد والعمل الدؤوب، وهذا نتائجه طويلة الامد ولكن اكيدة النتيجة، وأختم بقول الله تعالى «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» - [ سورة النحل: 125]
فهل من متدبر؟!
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثامن والعشرون من فبراير 2023 (الرابط الإلكتروني)
دُور القرآن الكريم PDF