الملا عثمان

essay image

وأنا في الطريق إلى الجامع لصلاة القيام مع الأسباط، طافت بيَّ الذاكرة إلى المرحوم عمي الملا عثمان عبداللطيف العثمان - رحمة الله عليه - أحد أئمة ومشايخ الكويت الأفاضل، صاحب القراءة العذبة والتلاوة الهادئة المُتقنة، ودار الحديث معهم عن صلاة القيام خلف الملا عثمان، وكيف كان الجامع يمتلئ بالمصلين خلفه، والملا كان المأذون الشرعي المفضل للكثيرين من أهل الكويت، وسألني عثمان الصغير: «شلون صار ملا؟»، رديت عليه: «اهو والوالد كانا طالبين في المدرسة المباركية الأولى، ولنقصٍ في عدد المدرسين، ونظراً لتفوقهما العلمي المتميز، استُعين بهما كمدرسين، وتشارك الأخوة الأربعة في افتتاح مدرستهم والتي حملت اسم (مدرسة العثمان)، ومن بعدها استمر الملا عثمان مُدرِّساً في مدرسة المرقاب وإمام مسجد ومأذوناً شرعياً»، وقلت له: «إن شاء الله تصير (ملا) مثل أجدادك، فأنت سليلُ عائلةٍ ملؤها العلم والدين، فجدك الشيخ عبدالله النوري، وجدك من صوب والدتك الملا عثمان، وجدك من صوبي رجل الإحسان عبدالله العثمان رحمة الله عليهم أجمعين»، هذا الحديث دفعني للبحث في أرشيف العائلة عمّا تبقى من خطب المرحوم الملا عثمان، والتي خطت بيده، وكان يُلقيها أثناء إمامته للمصلين في مسجد خالد بن الوليد في منطقة المنصورية، فارتأيتُ إشراك القارئ الكريم فيها للقراءة والتمعُن في مضامينها، لما وجدتُ فيها من منفعةٍ وعِبَر تصلح لكل زمانٍ ومكان، وما ذلك إلّا لأنها تنبع من صميم ديننا الحنيف، وقد تميّزت خطب المرحوم الملا عثمان العثمان بالأسلوب الواضح والرصين وبتعدد وتنوع مواضيعها، وأقتبس من تلك الخطب مقطعاً من خطبة المرحوم، التي أتت تحت عنوان الزكاة والنهي عن الكبر، وبتصرفٍ أنقلها: «..أما بعد أيها القوم اتقوا اليوم الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، عباد الله إن من أجلّ الأعمال وأفضلها البر بالفقراء والمعوزين، ومن أفضل الصدقات وأعلاها إخراج الزكاة التي فرضها عليكم رب العالمين.. فالزكاة أيها المسلمون تطهير للأخلاق من الجفوة والغلظة وحب الذات، وتعويد لها على المروءة والشفقة وحسن الصفات، وإنها لتغرس الجود في النفس وتُنقيها من رذائل البخل، وإنها لتنفس الكرب وتدخل على الفقير السرور، وتحفظ المال من جميع الشرور، وإنها لتقوي الرابطة بين المسلمين.. عباد الله إن المتكبر عن الحق مطرود من الرحمات، مكروه ممقوت ساقط عن ذوي المروءات، يكاد من الغيظ يفور، أيها المتكبر ظلمت نفسك، وبغض الناس في رؤيتك، وصرت مضغة في الأفواه، والناس يفرحون لإساءتك، وكنت محلاً للتغامز والسخرية وقت المرور، فاتقوا الله عباد الله، واعملوا خيراً ينفعكم، واتركوا ما لا يعنيكم، وتعلموا العلم، وتفقهوا في الدين، وتدبروا القرآن المبين، وقوموا ببر الوالدين والإحسان إلى الفقراء والمساكين، وأخلصوا نية الأعمال والعقائد..». ففي هذه الخطبة حضَّ المرحوم الملا عثمان المصلين على عمل الخير وما ينفعهم وترك ما لا يعنيهم. وآمل أن يأخذ بتلك النصيحة أهل الكويت، خصوصاً في هذه الأيام الفضيلة، بالحرص على إخراج زكاة المال والصدقة طاعةً لله عزَّ وجلّ، وبالبُعد عن حب الذات والكِبر والمتكبرين الظالمين لأنفسهم.

وختاماً، لا يسعني سوى القول رحمة الله على الملا عثمان العثمان، أحد أهم رجالات التعليم والتربية في الكويت، ورحمة الله على من عاصره من رجالات الكويت الأفاضل، الذين شكلوا عصراً ذهبياً بعلمهم ورأيهم الوسطيّ المُتسامح، أمثال المرحوم الشيخ عبدالله النوري، والمرحوم الشيخ علي الجسار، ولنا في المقال القادم موعد للحديث عن العصر الذهبي للتربية والتعليم في الكويت سابقاً من خلال ارشيف مدرسة العثمان.

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثامن عشر من إبريل 2023 (الرابط الإلكتروني)

الملا عثمان PDF

عدد الزائرين:

153 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr