الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري

كنت قد بدأتُ الحديث في مقالٍ سابق عن رواد الحركة الفكريّة والثقافيّة الذين تميّزوا وتركوا بصمةً خُلِّدت في تاريخ الكويت الثقافي والفكري خلال فترة ابتعاثهم إلى القاهرة وإقامتهم في «بيت الكويت» الذي جمعهم ووحدهم فكرياً ووطنياً، وفي مقالنا لهذا اليوم سأسلط الضوء وبتصرف على شخصيةٍ استثنائيةٍ أضحى صاحبها رافداً من روافد الأدب في الكويت وعلماً من أعلام ثقافتها، إنه الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري، المولود في الكويت عام 1922م، من دارٍ عمَّها الإيمان والورع، إذ كان والدهُ إماماً لمسجد العبدالرزاق وكان يملك حينها مدرسةً لتعليم القرآن والقراءة والكتابة، وقد تعلم في صغره في مدرسة والدهِ الذي كان يطلق عليها اسم «مدرسة الفلاح»، انتسب بعدها الأستاذ عبدالله الأنصاري إلى المدرسة المباركية وظلَّ فيها سبع سنوات متتالية حتى عام 1936م، وقد رُشِّح في البعثة الموفدة إلى مصر عام 1939م ولكن مرض أبيه حال دون ذلك، وظلَّ يدرس في مدرسة أبيهِ إلى أن تم اختياره للتدريس في المدرسة الشرقية بين عامي 1940م و1942م، ومن ثم التحق بالميدان الدبلوماسي، ليتم اختياره فيما بعد من قبل مجلس المعارف مشرفاً مالياً لبيت الكويت في القاهرة، أما على صعيد حياته الأدبيّة فقد بدأ ينظم الشعر وهو في السابعة عشرة من عمره، وقد نشر معظم أشعاره في الصحف السورية والعراقية بالإضافة إلى مجلة البعثة في القاهرة والمجلات الكويتية، وبعد استقلال الكويت تحولت الدوائر إلى وزارات، فالتحق حينها بوزارة الخارجية مع الأستاذ خالد العدساني الذي عُيّن سفيراً في القاهرة، ليعود بعدها إلى بلده الكويت ويتولى إدارة الصحافة والثقافة في وزارة الخارجية. ومن المحطات البارزة في سيرة حياة الأستاذ عبدالله الأنصاري مشاركاته الفكرية في مجلة البعثة الكويتية التي تولى رئاسة تحريرها عندما غادر الأستاذ عبدالعزيز حسين إلى لندن، وكانت له كتاباتٌ عدة في مجلة كاظمة أول مجلةٍ تصدر وتطبع في الكويت والتي كان يتولى رئاسة تحريرها الأستاذ أحمد السقاف، كما تولى رئاسة تحرير مجلة البيان، وقد ترك الأستاذ الأنصاري خلفه إرثاً عميقاً في الأدب والشعر والفلسفة، على سبيل المثال كتاب: فهد العسكر حياته وشعره، مع الكتب والمجلات، الشعر العربي بين العامية والفصحى، الساسة والسياسة والوحدة الضائعة بينهما، صقر الشبيب وفلسفته في الحياة، وغيرها كثير، ومن خلال بحثي وقراءتي لمجلة البعثة وموضوعاتها الثقافية ذات المستوى الفكري الرفيع، لفتت انتباهي عدة قصائد كان قد نظمها الأستاذ الأنصاري في أعمدة تلك المجلة، منها ما هو قوميّ ومنها ما غلب عليه الطابعُ الاجتماعيّ، استمر الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري بإثراء الخزانة الأدبية والفكرية الكويتية منذ صغره إلى أن وافته المنية عام 2006م، ومن حسن الحظ أنه كان لي معه لقاء في بدايات عقد التسعينات، محاولاً بذلك أخذ تقريظ منه على كتابي الأول «أفياء الأغصان من ديوان العثمان» وذلك لما كان له من علاقةٍ وطيدةٍ مع الوالد صداقةً ونسباً، وأذكر أن ذلك اللقاء كان بديوانه في الشامية، وأذكر حينها أنه أدخلني مكتبته العامرة المُلحقة بديوانه، تلك المكتبة الثرية المتنوعة الفكر والثقافة، فوقع نظري على أحد كتب الأديب «ميخائيل نعيمة»، ومن الصدف في تلك الآونة أني كنتُ قد قرأت عنه مقالاً تطرق فيه لاحتمالية انتمائاته الخاصة، وبتهكم ومن غير دراية أو قصد قلت له: «هذا .. بمكتبتك»، فاستاء مني جداً وراح يتمتم بكلماتٍ توحي لي بغضبه واختصر اللقاء حينها، وللأسف أنني في ذلك التاريخ لم أستوعب ماذا تعني مكتبة ثرية جمع محتواها كتاباً كتاباً على مدى عقود كاتبٌ وأديبٌ متنوع الثقافات، وحاولت أن أعتذر منه ولكن «ماكو فايدة»، وطلعت من الديوان بلا تقريظ لكتابي، وفي الختام نسأل الله له الرحمة والثواب وأن يُسكنه فسيح جنانه، وفي المقال القادم سنكون على موعدٍ مع شخصيةٍ جديدةٍ وعلمٍ من أعلام الكويت الفكرية.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الخميس الخامس عشر من يونيو 2023 (الرابط الإلكتروني)
الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري PDF




