صديقي حميد أشكناني

توفي الصديق والشيخ والقارئ حافظ القرآن حميد أشكناني وانتقل إلى جوار ربه عام ٢٠١٦، وبذاك التاريخ كتبت مقالاً ناعياً إياه حمل اسم «شيخ بلا عمامة»، تكلمت فيه عن صديقنا الوسطي الطيب والبشوش، وبوحسين رحمه الله تعالى كُنت قد تعرفت عليه إبان دراستي في جامعة سيراكيوز، وكانت لدينا هواية مشتركة ألا وهي التصوير السينمائي على كاميرات ٨ مم، وسوينا في ذاك الوقت عدة أفلام مشتركة، وطبعاً لا احد يتصور أنها أفلام محترفين، كلها ضحك وغشمرة شباب بالغربة، وبها الكثير من الطرافة، وبوحسين - رحمة الله عليه - بإبداعه الفطري يدفع بعضها إلى ما هو غير متوقع، فالتصوير في منتصف الليل بالمقبرة المجاورة لِسَكنِنا كان قراره واحنا تبعناه، وطبعاً بذلك التاريخ ما كُنا نعرف ما هي التبعات القانونية اللي مُمكن أن ننحط فيها، ولكن كلما أرى ذلك الفيلم لا أستطيع إلا أن أضحك واضحك، وأحتفظ بالعديد من تلك الأفلام القصيرة وأشرك بها من أراه من ربع ذلك الزمان من دون إعطاء نسخ منها، لأن ذلك يتطلب موافقة بوحسين حيث نحن شركاء بها وكان هذا اتفاق منذ ذلك التاريخ، فكانت شقاوة شباب وأياما جميلة لا تُعاد، المهم ومع أن بوحسين من الشخصيات التي لا يُمكن أن تُنسى ودائماً نجد ما يذكرنا به، خصوصاً كونه صاحب حضورٍ مجتمعيّ وديني، وقد تخرّج بوحسين قبلنا والتحق بالعمل في وزارة المواصلات حتى تقاعده، لكن ظلَّ بوحسين يسير في الدرب الذي يحب ألا وهو كتاب الله فحفظ القرآن الكريم وأجاد تلاوته، وكان حينها يحب طريقة الشيخ محمد صديق المنشاوي، درس الصديق حميد أشكناني في دار القرآن في الكويت وورد اسمه ضمن المشايخ المُجازين في كتاب «فتح رب البيت في ذكر مشايخ القرآن». كما أنه أسس حلقات رمضانية في جامع النقي، وبعد ذلك خصص يوم الجمعة للتدريس والإقراء، وبوحسين رجل دين وشيخ بمعنى الكلمة فهو مخبر وليس منظِّراً وخسارته لا تُعوض، وقبل عدة أيام وأنا أحاول ترتيب بعض أوراقي القديمة وقعت بيدي رسالة مؤرخة في ١٨/١٠/١٩٧٨، مُرسلة من المرحوم حميد ومعنونة باسمي وما دري شلون ظلت هذه الرسالة مغلقة بين الأوراق ولم تفتح منذ ذاك التاريخ، فالظاهر استلمتها وحطيتها داخل أحد الكتب ونسيتها، وكان فعلاً شعوراً غريباً وأنا أتأمل بتلك الرسالة وكأنها أُرسلت لي من الماضي «عبر آلة زمن»، فترددت بفتحها كثيراً، ولكن هي رسالة من صديقنا حميد وكان فعلاً شعوراً غريباً وأنا أقرأ تلك الرسالة الممتلئة بالطرافة وخفة الدم، فكان حينها طالب مني أن أحجز له شقة في الصيف، وعطاني أخبار الدوري العام والذي توقف حتى نهاية ديسمبر ٧٨ وذلك لسفر منتخب الشباب إلى بنغلادش للمشاركة بدورة آسيا لكرة القدم وفوزه على بنغلادش 2 - 0، ويقول إن منتخب الكويت يتدرب استعداداً لدورة تايلند، وبعدها راح يشارك المنتخب بدورة الخليج في العراق، وأكمل بعدها بتقرير عن ربعنا وبالاسم وكل واحد وين اشتغل وشنو سوى، وطلب مني إيصال السلام لمن ما زالوا يدرسون بذاك الوقت وذكرهم بالاسم، وسألني شنو أبي «صوغة» وقبل لا يختم عطاني احوال الطقس وكما خط «الجو لطيف وبالليل رطب وضباب مزعج» وذيل الرسالة ببصمة ابهامه بدلا من توقيعه، حقاً إنه لشعورٌ غريب شعرت به عند قراءتي تلك الرسالة بعد مُضي ٤٥ عاماً وكأنها رسالةٌ من الأمس اعادت لنا ذكر إنسان متميز بما تحمل الكلمة من معنى، رحمك الله صديقي العزيز وأسكنك فسيح جنانه، فلقد وصلت رسالتك وأوصلت تحياتك لاصدقائك واحبائك وان كان ذلك بعد حين!
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الرابع من يوليو 2023 (الرابط الإلكتروني)
صديقي حميد أشكنانيPDF




