مناخ 82 كان صرحاً من خيالٍ فهوى

essay image

قبل فترة جاءتني رسالة من الأخت نادية الشراح على تويتر، ذكرت فيها أنه كان لأحد متداولي سوق المناخ موقفٌ مع الوالد ذكرته في كتابها، وصراحةً جذبني صدور كتاب يوثّق «أزمة سوق المناخ» كَوني مِمَن عاصر تلك الأزمة، أستطيع أن أؤكد بأن هذا الإصدار هو المحاولة الوحيدة التي أَرخت تلك الحقبة بشكلٍ مهني، والأخت الكاتبة استطاعت سبق الزمن وقبل غياب فرسان تلك الحقبة نتاج الوفاة أو الشيخوخة، فحصلت على سبقٍ صحافيٍّ لمعظم «فرسان المناخ»، كما أطلق عليهم الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا -رحمه الله- في مسرحيته المشهورة «فرسان المناخ»، فتلك الحقبة والتي عصفت بالكويت لم تأخذ حقها بالتدوين وكأننا لا نريد أن نتذكرها أو أن تكون جزءاً من تاريخنا، قد يكون استحياءً من غباء وسذاجة البعض من أحداثها أو يمكن حتى لا تفتح أبواب مُغلقة، فتدنس بذلك أثواباً بيضاء كما أراد لابسوها إيهامنا بنصاعتها لأشخاصٍ استطاعوا النفاد من مستنقعها حاملين معهم غنائمهم، فَهُم من قادوا مسرح العرائس وكانوا مايسترو لعبة الكراسي، وفرسان المناخ ما هم إلّا واجهة مُكونة من مجموعة من البسطاء المغامرين يجمعهم عاملٌ فطريٌّ واحد، ألا وهو القدرة الفطرية بالحساب يصاحبه قلة إدراك لأدنى مبادئ قواعد الاستثمار وقد ينطبق علي بعضهم المثل الكويتي القديم «مخروش طاح بكروش» وللأسف غاب عن بعضهم الاخلاق وتجاوزوا بالخطيئة، وأعتقد أن من يقرأ مقابلات بعضهم يستطيع أن يستقرئ ذلك، وكانت لديهم آلية تعامل ذات جذب كالحقول المغناطيسية فبكل جولة يدخل معهم مستثمر جديد وهؤلاء الجدد هم الضحايا الحقيقيون فمنهم الدكاترة والمهندسون وقياديون بل من اكبرها واسمنها كما يقال، فهؤلاء تنازلوا عن عقولهم ومنطق الأمور ولحقوا سراب الثراء السريع وصدقوا الكذبة وامنوا بها، واذكر كلام احد المديرين العامين والذي اشترى محلا مساحته ١٢ مترا بمبلغ ربع مليون دينار في سرداب مبنى بجانب سوق المناخ ويقول لي بشغله محل لدلالة الاسهم ويكمل بانه يتوقع ان سوق المباركية بأكمله سوف يصبح مركزا ماليا عالميا! استغربت كلامه وأسررت بنفسي وقلت اذا المصرفي والمدير العام هذا صار فكره فما بال البقية؟ وذكرته بمقولته بعد حين عندما سلم المحل لمالك العقار بلا عوض مع دفع إيجارات ٥ سنوات تنفيذا لشروط العقد، المهم انجرفت الشركات وخرجت عن خط اختصاصها وترخيصها، ولم تكن بعض المصارف بذلك التاريخ باحسن حال، فاختلط الحابل بالنابل عندهم كما يقال، وهنا أتكلم بموجب تجربةٍ ومعرفةٍ قريبةٍ جداً من معظمهم وذلك من خلال عملي بأحد المصارف في تلك الفترة، إذ كان مكتبي حينها في الدور السابع المُخصص للإدارة العليا، وبناءً على ذلك عاصرت الأزمة وعملت بكل برامج حلولها، ورأيت وعن قرب كيف يُدار المشهد من خلف الكواليس بتلك الفترة، فكانت دراما عجيبة غريبة، أبطالها مجموعة من اللاعبين ممكن أن أشبههم بالغلاديترز (مصارعي الرومان)، وهم لاعبون عندهم عضلات يجمعون ليقاتلوا نموراً وأسوداً وأحياناً بعضهم البعض، مشهد يُدار من خارج الملعب له رجالهُ وتجارهُ وقادتهُ، نظامٌ لا يفهمه المتقاتلون في الساحة ولا المراهنون في المدرج، أحداثٌ وقصصٌ دارت خلف الكواليس مدونة لديّ بما فيها من أحداث مضحكة ومحزنة بذات الوقت، فكان كتاب الأستاذة نادية، مِما جعل تعقيبي «بالقدر الذي أستطيع نشره» ممكناً بناءً على ما طرحت من مواضيع بكتابها، وذلك بمجموعةٍ من المقالات سوف تحمل نفس الاسم والذي ارتأَتهُ لكتابها الجميل «كان صرحاً من خيالٍ فهوى»، وسوف أبدأ بتعليقي على الأخ أحمد الكندري والذي كان حلمه أن يصبح أكثر ثراءً بمراحل من الحاج المرحوم عبدالله العثمان، وذلك بمقالٍ قادم.

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الأربعاء الثاني عشر من يوليو 2023 (الرابط الإلكتروني)

مناخ 82 كان صرحاً من خيالٍ فهوىPDF