فيلم من الماضي

essay image

سبق لي أن كتبت عن مشروع إعادة تأهيل وترميم جامع العثمان في النقرة، ذلك الجامع الذي تبرع بأرضه المرحوم عبدالله العثمان وبناه على نفقتهِ وإشرافهِ المباشر، والذي، بحسب سجلاته، فقد بلغت مساحة أرضه ٥٠٠٠ متر مربع، كما بلغت تكلفة الأرض بذلك التاريخ مليون ونصف روبية، أما تكلفة بنائه فبلغت مليونَي روبية، ذلك الجامع الذي عكس ثورة تطور العمارة في الكويت بذلك الزمان، فكان معلماً معمارياً جميلاً بقبَبِهِ الخضراء ومنارتيه المزدانتين بأنوار النيون الخضراء، التي لم تغفلها مجلة لايف الاميركية، على غلافها عام ١٩٦٤، وتميُّز ديكوراته الداخلية وعدد ٢١ ثريا كريستالية و١٤ لوحة قرآنية، التي ازيلت عام ١٩٧٠، أما الآن فنقوم على تجهيز الجامع لأعمال إعاده التأهيل والترميم ليعود كما كان، وذلك من ثلث مال صاحب الجامع، الذي أوصى به خيراً، وبفضل من الله ومنّة منه، انتهينا من أعمال التراخيص، ولكن كون هذا الجامع له طابعٌ معماريٌّ أثريّ فوجبَ الحذر بأعمال الترميم، ومن حسن الحظ فقد عثرت على فيلمَين منتجَين عام ١٩٦١م، حيث وثَّق هذان الفيلمان أعمال تجهيز الجامع وحفل الافتتاح، وكان هناك عقد بين المرحوم والمخرج محمد إبراهيم حسن بمبلغ ٤٠ ألف روبية. أخذت البكرتين وطرت فيهما إلى لندن، وهناك كلفت شركة مختصة حوَّلتهُما إلى نسخ رقمية عالية الجودة، وبمدة نصف ساعة لكل فيلم، ومن خلالهما استطعنا فرز، وبدقة، كل تفاصيل الجامع وديكوراته لإضافتها بمستندات المناقصة، المهم استقطعت عدة مقاطع شملت حفل الافتتاح، الذي كان برعاية وحضور الشيخ عبدالله المبارك -رحمة الله عليه- والكثير من أهل الكويت الطيبين، وكنتُ آمل أن أتعرف على بعض تلك الشخصيات لتدوينها، ونشرت هذا المقطع على حسابي الخاص في تويتر، وما لبث أن أخذ اهتماماً كبيراً ومشاهدات كثيرة، فتواصل معي الكثير، وأوردُ هنا بعضهم وبعض ما علقوا عليه، وأبدأ بسفيرنا في نيوزيلندا الأخ أحمد سالم الوهيب الذي أبدى سعادته وشكره على هذا المقطع الذي ظهر به والده بعدة مقاطع واضحة، وكذلك الدكتور حسن السند، الذي أفاد بأنه يتذكر ذلك الحدث جيداً، حيث كان منزلهم مقابل الجامع، وأن جده الشيخ عبدالله السند كان إمام الجامع، وفعلاً كانت له خطبة واضحة في هذا الفيلم، أما الدكتور ناصر غنيم الزيد، فيرى بأن هذا الفيلم وثيقةٌ كويتيةٌ حيّة تُؤرخ لشخصياتٍ وطنيةٍ طواها الثرى ودليلاً على مشاركة أهل الكويت بعضهم لأفراح بعض، ما يؤكد خيرية النفس الكويتية. ويقول الدكتور نجيب الرفاعي: «رحم الله من بنى هذا المسجد المبارك وصلى فيه وأقام الدروس، ومن أبرزهم فيما أذكر في السبعينيات الشيخ حسن أيوب -رحمه الله-، كنا وثلة من الشباب والمواطنين نحضر درسه الأسبوعي في هذا المسجد يوم الخميس بين المغرب والعشاء، ومن هذا المسجد انطلقت فكرة بيت الزكاة كأول لجنة منظمة»، ويتمنى الدكتور محمد الدواير أن تُعاد الفرحة والبركة بهذا المسجد المُميّز بعد ترميمهِ وافتتاحه، أما الأخ ياسر جعفر فكانت له ملاحظةٌ دقيقة صوَّرت أخلاقيات المرحوم عبدالله العثمان خيرَ تصوير، فقال: «شيء جميل إبراز صور العمل الخيري بالكويت وتواضع أصحاب هذا العمل، وما يُميّز هذا التصوير وجود المرحوم بالصفوف الخلفية وبين المصلين وليس بالأمام والواجهة، الله يآجره ويرزقه الثواب الحسن ويغفر له ويبارك في خلفه وسلفه»، أما الأخ محمد عبدالرحمن الدعيج فيقول: ربي يغفر له ويرحمه ويسكنه الفردوس الأعلى، وحقيقةً فإن الفيديو منتشر بشكلٍ كبير وواسعٍ على كل القروبات اللي عندي، كقروب دواوين الكويت وقروب رابطة دواوين الكويت، هذا غير قروبات الربع والأقارب، رفع الله ذكره في الآخرة مثل ما رفع ذكره في الدنيا، ويكمل: صراحةً أكثر تعليق أثار إعجابي من أحدهم يقول: «من حظ عبدالله العثمان -رحمة الله عليه- فمنذ أن توفاه الله عام 1965 وإلى اليوم أعماله وأفعاله وخيراته تخلي ذكره يدور بين الناس من كرمه وجوده»، كل الشكر والتقدير لكل من أرسل تعليقا أو «رتويت» لهذا الفيلم، ولو كان حجم المقال يسمح لذكرت تعليقاتهم الجميلة، التي تعكس مدى تعلق أهل الكويت بهذا الجامع، وإن شاء الله نتمكن من إنجاز مهمة إعادة تأهيل الجامع على خير وجه...

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الأول من أغسطس 2023 (الرابط الإلكتروني)

فيلم من الماضيPDF