الشيخ عبدالله النوري
استكمالاً لما كُنا قد بدأناه من سردٍ وتوثيقٍ لسيرة حياة الرجال الفضلاء من الرعيل الأول من أهل الكويت، من الذين تلهج الألسن بذكر مآثرهم ومن الذين تركوا بصمةً خالدةً في عالم العلم والفكر والأدب في تاريخ أمتهم، نتوقف اليوم مع سيرة رائدٍ جديدٍ من رواد التعليم والفقه والأدب، ذي الشخصية الاجتماعية والفكرية الشاملة، إنه الشيخ الفاضل عبدالله النوري -رحمة الله عليه-، من أشهر رجال الدين والأدب والثقافة خلال القرن الماضي من الذين بقيّ أثرهم خالداً في ذاكرة وعقول الكثير من أهل الكويت بعد رحيله بأكثر من ربع قرن، وبالعروج على تاريخ ميلاده ونسبه، فقد ولد الشيخ الفقيه عبدالله النوري عام 1905م في مدينة الزبير في بيت علمٍ وأدبٍ وورع ويعود نسبه إلى قبيلة شَمَّرْ القحطانية، تتلمذ على يد والده الشيخ محمد النوري –رحمة الله عليه-.
وتربى في بداية حياته على يد جدته لأمه التي كانت تحبه حباً جماً، علَّمهُ والده القراءة والكتابة منذ الصغر فختم القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره، وأخذ يدرس الفقه الحنبلي على يد الشيخ عبدالله بن خلف الدّحيَّان عالم الكويت ومفتيها آنذاك، وكان الشيخ عبدالله النوري يحب القراءة وحضور مجالس العلم والعلماء للاستزادة من علومهم، وبعد أن ختم القرآن الكريم دخل المدارس التركية في أواخر الدولة العثمانية في العراق، وبعد الاحتلال الإنكليزي للبصرة دخل المدارس الأهلية، وفي سنة 1916م تابع دراسته في مدرسة في سوق الشيوخ في بغداد وكان والده محمد مُدرساً فيها، وكان الشيخ عبدالله حينها من المتفوقين في هذه المدرسة وتم ترشيحه للدراسة في دار المعلمين في مدينة بغداد لكنه لم يكمل وترك الدراسة فيها لأن والده قرر الانتقال إلى الكويت، ثم رُشِّحَ للعمل في مدرسة العجيري الواقعة في حي القبلة كمدرس ووافق حينها تاركاً بصماتٍ خاصةٍ في سلك التدريس لسنوات طوال متنقلاً في عدة مدارس، كالمدرسة المباركية والمدرسة الأحمدية، وفي فترة التدريس تلك كان الشيخ عبدالله النوري يساعد تلاميذه الفقراء ويجمع لهم ما يسد حاجتهم.
وفي أوائل عام 1926م عيّن كاتباً في المحكمة ثم أخذ يتدرج حتى أصبح رئيساً للكتاب، ثم اختاره رئيسها الشيخ عبدالله الجابر الصباح سكرتيراً خاصاً له، كما وأسندت له وهو في المحكمة مهمة التدريس بالمعهد الديني في بداية إنشائه فظل يؤديها ثلاث سنوات تطوعاً دون مقابل، كما وعرف الشيخ عبدالله النوري أيضاً كإمامٍ صالحٍ وخطيبٍ مفوه في مساجد الكويت، كإمامته لمسجد والده عبدالله العثمان في منطقة القادسية، حيث كان يسكن، ومسجد دسمان ومسجد بن بحر وغيرها الكثير من المساجد، وفي عام 1964م رُشِّح عضواً في لجنة الفتوى، وقام بتأليف الكثير من الكتب في الدعوة والإرشاد تاركاً إرثاً ضخماً من المؤلفات، ومنها على سبيل المثال: من غريب ما سألوني، الأمثال الدارجة في الكويت، أحاديث، قطف الأزاهر، شهر في الحجاز وغيرها الكثير من المؤلفات، إذ عرف عنه أنه صاحب قلمٍ معبر خلال كتاباته المنوّعة التي لم تقتصر في مجال الفقه فقط، بل إن سعة علمه جعلته من عشاق الكتابة عن الرِّحلات والأسفار والشعر والتراث والتاريخ الشعبي والأمثال.
ولعل أشهر ما خلد ذكر الشيخ عبدالله النوري دوره البارز في الافتاء الشرعي، وفي هذا السياق لابُدَّ من ذكر العلاقة الوطيدة التي جمعته مع المرحوم الوالد عبدالله العثمان -رحمة الله عليه- وقد ساهم المرحوم حينها بطباعة أحد كتبه القيّمة، ظلَّ الشيخ عبدالله النوري طوال حياته نجماً لامعاً في سماء العلم والفقه والأدب إلى أن اختاره الله تعالى إلى جواره حيث توفي عام 1981م، وإن شخصية علمية ودينية واجتماعية رائدة لا يمكن أن يتوقف عطاؤها عند هذا الحد، فبعد مرور ما يزيد على أربعين عاماً على رحيله ما زالت شخصيته محط أنظار الباحثين والعلماء والأكاديميين على مختلف تخصصاتهم العلمية، ومن هذا المنطلق دأبت جمعية الشيخ عبدالله النوري على توثيق السيرة الذاتية للشيخ وإعادة طباعة كتبه تحت مظلة الجمعية كمشروعٍ غير ربحي، وتم تشكيل لجنة للتأليف برئاسة الأستاذ حازم النوري، بالإضافة إلى جمع مؤلفاته ومخطوطاته المتفرقة، فأتت المطبوعات على ثلاثة أنواع مرفقة بالباركود الخاص لكل مجموعة على الشكل التالي:
مجلد السيرة الذاتية، المجموعة الكاملة وتشمل مجلد السيرة الذاتية وكل المؤلفات وأيضاً المخطوطات التي كتبت بخط يد الشيخ عبدالله النوري، المجموعة المنتقاة وتشمل مجلد السيرة الذاتية ومجموعة كتب منتقاة من المجموعة الكاملة.
وختاماً لا يسعنا سوى الدعاء بالرحمة والمغفرة لروح المرحوم الشيخ عبدالله النوري، واتقدم بجزيل الشكر للاخ حازم النوري علي إهدائه الكريم لمجموعة مؤلفات الشيخ النوري، وان شاء الله وبمقال قادم سنكون على موعدٍ مع رائدٍ جديدٍ من رواد الكويت الأفاضل.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء التاسع والعشرون من أغسطس 2023 (الرابط الإلكتروني)
الشيخ عبدالله النوريPDF