متلازمة الاختلاط

نقلاً عن مراسلة «بي بي سي نيوز عربي»، جاء ما يلي «في خطوة اعتبرها البعض مؤشراً على (أسلمة) الكويت، أعلنت جامعة الكويت إلغاء الاختلاط بين الجنسين داخل الفصول الدراسية، إلّا في حال دعت الضرورة إلى ذلك»، والصراحة موضوع الاختلاط من عدمه في الجامعة أضحى متلازمة، بل قد تكون تحورت أيضاً إلى مرحلة المتاهة، وهذا الموضوع القديم الجديد الذي، وللأسف، أصبح الخلاف حوله يأخذ منحنى الخلاف السياسيّ - الاجتماعيّ - العقائديّ، ولاعبو هذا الخلاف ارتأوا أن تكون جامعة الكويت هي طاولة الشطرنج لذلك الخلاف، ونسوا أو تناسوا أن للجامعة كياناً مستقلاً وأهدافاً عُليا وجبت المحافظة عليها، كما نسوا أيضاً أو تناسوا، أن مستوى التعليم ومخرجاته من المرحلة الابتدائية وصولاً إلى المرحلة الجامعية، سواء أكان هذا التعليم في المدارس الحكومية أم الخاصة منها، لا يرتقي إلى الحد الأدنى من الطموح، فأتت النتيجة بمخرجاتٍ الكثير منها لا يجيد القراءة والكتابة باللغة العربية، مخرجاتٌ أضاعتها كثرة العطل وقِصر الدوام المدرسي، مخرجاتٌ تاهت بمناهج هزيلة، كُلُّ هذا تُرِك وأخذنا نختلف ويهاجم بعضنا بعضا حول موضوع الاختلاط في الجامعة، والمشكلة أن الكثير من الطلبة ليس من أولوياتهم الاختلاط من عدمه، فالجماعة يبون يتخرجون وإنّ إغلاق بعض الشُّعب وحصرها بفئةٍ دون الأُخرى يسبب تأخراً بتخرجهم لعامٍ كامل، وأتكلم هنا عن الطلبة في السنة الأخيرة من التخصُّصِ الجامعي، حيث المواد مرتبط بعضها ببعض، وبمعنى آخر في البداية تأخذ المادة (أ) أولاً لتتمكَّن بعدها من التسجيل بالمادة (ب)، وبعضها يُتاح بالفصل الأول فقط ويتاح الجزء الثاني بالفصل الثاني حصراً، والّلي يصير مرات هو أن شعبة البنات تكون ممتلئة، وهناك طالبات على لائحة الانتظار بينما نجد أن المادة نفسها معروضة بشعبة الشباب ونصها فاضي، فلمصلحة الطلبة هنا تحويل هؤلاء الطالبات إلى شعبة الشباب لتمكينهن من التخرج والعكس صحيح، كما أن الجامعة تحتاج إلى عددٍ كبيرٍ من الدكاترة لخلق شعبٍ مفصولةٍ بالكامل ومصاريف وميزانيات مهولة، وطبعاً نوابنا الأفاضل ما عندهم مشكلة بالصرف، زين خلونا نترك مشكلة الشُّعب، وهنا لديَّ سؤال أثار حيرتي وأريد أن أوجهه لنوابنا الأفاضل، شنو الفرق بين الاختلاط داخل الفصول والاختلاط خارج الفصول؟ كل هذي الصيحة على الاختلاط داخل الفصول في المكان اللي فيه مُدرِّس والطلبة لاهيين بدراستهم بينما الاختلاط قائم خارج الفصول، وكذلك هو قائم ما بعد التخرج والانخراط بالعمل سواء الحكومي او الخاص؟ زين هل نتوقع تشريعات تمنع الاختلاط في الوزارات، ويصير عندنا وزارة نساء ووزارة رجال وشرايكم الطائرات ايضا نخليها رحلة نسائية واخرى رجالية؟ احد رجال الدين المعروفين قبل ايام أدلى بدلوه وقال «مشكلتنا بالتبرج وليس الاختلاط، اما الاختلاط في الحياة فطبيعي جدا»، المهم بعد التحليل البسيط للحمض النووي لتلك المتلازمة عندي اقتراح لحلّ هذه الإشكالية وقد يرضي كافة الأطراف، وهذا الحلّ علشان ينجح يجب أن يُحاط بأمرين اثنين، الأول استقلالية الجامعة بالكامل وإبعادها عن أي صراعٍ سياسيٍّ أو مجتمعيٍّ أو عقائديّ، أما الامر الثاني فيكمُنُ بالاحترام والتقدير لكافة طلبتنا وعدم التشكيك بأخلاقياتهم أو فرض أيّ نوعٍ من الوصاية عليهم من خارج الأُسرة والوالدين، واقتراحي هو أن يُلغى قانون منع الاختلاط ويستبدل بمدونةٍ لقواعد الأخلاق والسلوك العامة لجامعة الكويت، مدونة ملزمة تتفق عليها كلُّ الأطراف بالقدر الذي يحفظ كرامة طلابنا ويحميهم من أي سلوكٍ منحرف من أيّ شخصٍ كان، وبنفس الوقت تُترك الخصوصية والحرية المنضبطة لكلِّ فرد، فمثل تلك المدونة إن طُبقت بصرامة على الجميع فسوف تعطي حينها الجامعة الوقار والاحترام اللذين يليقان بها، وبعطي مثل مع الفارق بالتشبيه، في فعاليات مركز جابر الأحمد الثقافي وعند شراء التذكرة على موقعهم الخاص تؤشر بالموافقة على مدونة السلوك والمتعلقة بالملابس ووقت دخول القاعات، وأذكر مرة حفيدي حضر معاي حفل وما رضوا يدخلونه بسبب ارتدائه الدشداشة ومن غير غترة وعقال، مع إن عمره 10 سنوات، ما رضوا يدخلونه إلى أن أرسلت السائق للبيت وأحضر له غترة وعقال، وطبعاً النتيجة كانت أن البرنامج بدأ ومنعونا من دخول القاعة إلى حين انتهاء الفاصل، يعني ما حد يدخل القاعة إلّا ما بين العروض، ولاحظوا الكل ملتزم وماكو أيّ اعتراض، لأنه وكما يُقال الّلي أوله شرط آخره نور، لذا فأنا أعتقد أن حلّ تلك المتلازمة سهل وكل اللي تحتاجه الحكمة والالتزام والحل الوسط من دون التشدُّد وفرض الوصاية من أي طرف.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء السادس والعشرون من سبتمبر 2023 (الرابط الإلكتروني)
متلازمة الاختلاط PDF




