المخطط الهيكلي.. بينكم وبين أنفسكم (2)

تكلمنا في المقال السابق وتساءلنا عن علاقة التركيبة السكانية مع المخطط الهيكلي المُعتمد لدولة الكويت لعام 2040، واليوم أتكلم عن منحنى آخر، فقد نُقِل عن معالي الوزير فهد الشعلة عن ذلك المشروع: «أن المخطط الهيكلي الرابع للدولة يحدد الأهداف والسياسات العمرانية المستقبلية التي تعكس رؤية وخطط الكويت السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالتوازي مع النمو السكاني المستقبلي المتوقع بالدولة وتوزيعه على استعمالات الأراضي المختلفة من السكن الخاص والاستثماري والاستعمالات التجارية والصناعية...»، عزيزي معالي الوزير، أرجو أن تتقبل مني ما أقول: إن مثل هذا المشروع يحتاج لِطاقاتٍ بشريةٍ عاملةٍ ومنتجةٍ توازيها أنظمةٌ ولوائحٌ وقوانين فاعلة وقادرة على تمهيد وتسهيل آلية العمل على الموظف والمواطن والمستثمر، سواء أكان على الصعيد المحلي أو العالمي، وسؤالي هنا هل معاليكم ومعالي بقية الوزراء مؤمنون فعلاً بقدرات أجهزة الدولة؟ وهل تعتقدون أيضاً أن قوانينكم القائمة قادرة على مواكبة هذا التطور؟ وهل أنتم ونحن كمواطنين عندنا القناعة الحقيقية بأن بعض أعضاء مجلسنا البرلماني قادرون على التشريع من دون زج العواطف والمصالح بين سطور تلك القوانين؟ تلك الأسئلة تكفي الاجابة عليها بينا وبين أنفسنا، فهناك الحقيقة تَكمُن وتُرى دون حرج، المهم عندما قَسّمت الكويت إلى أربع مناطق وصرحتم بأن النمو السكاني المستقبلي المتوقع بالدولة بتوزعونه على استعمالات الأراضي المختلفة من السكن الخاص والاستثماري والاستعمالات التجارية والصناعية ومرافق البنية التحتية والمرافق، زين خوش كلام، بس اللي أعد المُخطط شاف قانون البناء القائم وكذلك القانون الجديد اللي تحت الدراسة؟ وهل عنده قناعة أن ذلك القانون قادر على تلبية طموح ذلك المُخطط؟ ولّا كل شي بوقته زين؟ يعني فقط وبمجرد إلقاء نظرةٍ بسيطةٍ على المناطق الحضرية القائمة، هل ترى بها ما يَسرُّ الخاطر؟ إذ سبق لي وذكرت بمقالٍ سابق عن مدينة صباح الأحمد البحرية، هذا المشروع المُنفذ من قبل القطاع الخاص ووفر آلاف القسائم البحرية، وأذكر زين قبل منح أُذون البناء دار حديث في المجلس البلدي حول نسبة البناء التي ستُطبق، هل هي نسبة البناء السكني الخاص %210، أم الشريط الساحلي %150 أم النظام المطبق على الشاليهات المقامة على أملاك الدولة؟ فكان القرار بتطبيق نسبة %210 من دون النظر إلى طبيعة المكان ومتطلبات السوق، فكم أتمنى لو تمر هناك وتشوف الكتل الخرسانية والمباني المخالفة والشقق التي بيعت على المواطنين وهي مخالفة، تلك المنطقة تعج بالمخالفات اللي ما حد يقدر يزيلها، وطبعاً هذا المثال الأنظف وبنظرةٍ مُتأنية نجد أن مأساة مناطقنا السكنية وكذلك الاستثمارية ما هي إلّا نتاج قانون البناء الجامد، الذي لم يستطع مواكبة متطلبات السوق والعرض والطلب، ومنه جعل مناطق السكن الخاص أكثر جاذبية للمستثمرين، ووازى ذلك تقاعس البلدية وعجزها عن لجم المخالفات سواء بالسكن الخاص أو الاستثماري، معالي الوزير تستطيع أن تقف على حجم المشكلة وبكل سهولةٍ، وذلك بتكليف من ترى لفحص عينة من 100 عمارة استثمارية وبيت سكني بمختلف مناطق الكويت، وأنا أقول لا تستغرب إن وجدت نسبة المخالف منها يفوق %70، وإذا كان أحد يعتقد أن الغرامات الفلكية الواردة بالقانون الحالي والمقبل سوف تقضي على المخالفات، فخذها مني ما راح يصير شي، بل سوف تزداد سوءاً، وأنا هنا لا أضعُ اللوم على البلدية بالكامل على عدم تطبيق القانون كما جاء لأن تطبيقه كما هو الآن وما فيه من غرامات فلكية، والتي سبق أن تكلمت عنها كثيراً سوف يغرق البلاد بدوامة من المشاكل المجتمعية والمالية، فالمخالفات أضحت وللأسف أمراً واقعاً، ونفس النواب الذين يطالبون بتغليظ العقوبات سينقلبون على أعقابهم بعد أن يتضح لهم حجم المصيبة، وأعتقد أن تصريح أحد النواب الأفاضل قبل شهر خير دليل على ذلك واللي قال فيه بأنه «قدم تعديلاً على قانون البلدية يسمح لأصحاب العقارات والمنازل في منطقة جليب الشيوخ بالتصرف في ممتلكاتهم من خلال استبدال نص الفقرة الثانية من المادة رقم 33 من القانون رقم 33 لسنة 2016 المشار إليه باستثناء البيوت الشرقية المملوكة على الشيوع»، فصاحبنا يبي يستثني مُلاك جليب الشيوخ من القانون، وسؤالي هنا ما بالُ مخالفي بقية المناطق؟ همْ عندهم نواب راح يطالبون باستثنائهم حالهم حال مُلاك الجليب، وطبعاً مثل مخالفات الجليب ما في مخالفات، فهي تتربع على العرش الذهبي، فملاكها اثروا على حساب المخالفات، وعلى الأرجح تحت نظر اجهزة الدولة، وهم الآن يكافؤون بتثمين مبانيهم المخالفة وفوقها نائبهم يطالب باستثنائهم من شهادات الاوصاف، وهذا الموضوع له مقال مقبل، المهم آمل من الله ألا نرى المناطق الأربع عام 2040 مثل الجليب عام 2023...
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الأربعاء الثامن عشر من أكتوبر 2023 (الرابط الإلكتروني)
المخطط الهيكلي.. بينكم وبين أنفسكم (2)PDF




