لجنة بوخالد

essay image

أتكلم اليوم عن اللجنة الوطنية لتنظيم التركيبة السكانية المُشكلة في منتصف العام المنصرم برئاسة معالي وزير الداخلية الشيخ طلال الخالد الصباح، والصراحة عند الإعلان عن تشكيل هذه اللجنة لم أشعر بالتفاؤل حينها وقلت إنها محاولة أُخرى فاشلة لمعالجة مشكلة مُتشعبة ومُتجذرة، فسبق أن سمعنا من بعض نواب المجالس السابقة هجوما كاسحا على إحدى الجنسيات والمطالبة بطردها، وسمعنا أيضاً من يرفع الصوت منهم ويطالب بعدم التجديد للوافدين وغيره وغيره، وكانت هناك محاولات من الحكومة منها بعدم التجديد لمن وصل لِسن الستين من الوافدين، وبعدها وعقب ما شافوا تأثير ذلك القرار على سوق العمل غيّروا القانون بشكل يسمح لهم بالتجديد مع تحمل رب العمل مصاريف العامل من تأمين صحي وخلافه، هذا القرار سوّى أزمة دشاديش في السوق، حيث غادر الكثير من الخياطين البلاد لبلوغهم سن الستين وكتبت أكثر من مقال في هذا الشأن، ولكن أسوأ محاولة وأكثرها سذاجة تلك التي كانت إبان جائحة كورونا، فالعالم كله متوقف والناس تحت حظر التجول ونسمع من بعض وزراء حكومتنا بذلك التاريخ الرغبة بتعديل التركيبة السكانية لتصبح %70 كويتيين، وكلها أحلام يقظة لا تخلو من العاطفة الجياشة، وكلنا نذكر تجميع مخالفي الإقامة بمدارس التربية، وطبعاً الظاهر نسوا أن المطارات مغلقة بسب الجائحة وظل الجماعة بمدارسنا ماكلين شاربين على حساب الدولة، ومع صريخ بعضهم «عايزين نروح»، المهم برجع إلى لجنة بوخالد الآخذة بسياسة حصر المشكلة وتفكيك عقدها بشكل مدروس وبما لا يضر بالاقتصاد الوطني ولا بإخواننا الوافدين، فالمشكلة وكما أسلفت متشعبة ومتجذرة وجميعنا ومنذ استقلال الكويت ساهمنا بها والحل يأتي بالحكمة والدراسة المستفيضة وإعطاء العلاج على الفترات الزمنية المطلوبة وإن طالت، المهم ما يهمني بهذا المقال هو آخر قرار لِلجنة، الذي تضمن السماح للعمالة الوافدة بالعمل الجزئي وبحد أقصى 4 ساعات، ما عدا قطاع الإنشاءات فهو مستثنى من ذلك، وهذا بعد موافقة رب العمل، زين خلونا نحلّل شوي، الكثير من شركات القطاع الخاص، خصوصاً الكبيرة منها ينتهي دوامها الساعه 4 مساءً بينما نرى الكثير من الشركات تعمل زامين صباحي ومسائي، بمعنى الكثير من العاملين بنظام الزام الواحد سوف يغطون احتياجات الشركات الأُخرى، خصوصاً أن بعض الشركات الأصغر منها ما تحتاج موظفين دوام كامل، مثل المحاسبين والقانونيين وغيرهم، ففعلاً هذا القرار صائب ويخدم أصحاب العمل وكذلك العاملين، زين ولكنْ هناك شق آخر لهذا القرار وأعتقد بأنه الأساس، وأتكلم هنا عن استثناء الحد الأقصى للعمل الجزئي للعاملين في قطاع الإنشاءات، وهني مربط الفرس، كما يقال، فإذا رفعنا الحد الأقصى معناه العامل يستطيع العمل لدى الغير طول النهار، وبمعنى آخر يمكن ما يداوم عند رب العمل الأصلي بتاتاً، زين السؤال هنا: إذا رب العمل الأصلي مو محتاجه وسامح له بالعمل طول النهار عند الغير فليش مخليه عنده؟ ترى الجواب واضح فبعض اصحاب العمل قد ينطبق عليهم مصطلح «تجار الإقامات»، وهكذا فأن السوق تغلب عليه الفوضى ولكن بالوقت نفسه تصعب السيطرة عليه، لأن كلما يقبض على عامل ويسافر وما يدخل واحد بدلاً عنه، زادت تكلفة البناء على المواطن، وهذا لا يخفى على أحد، لذا باعتقادي الشخصي فإن اللجنة ارتأت أولاً النظر باحتياجات المواطن وتقنين آلية العمل حتى لا يحاسب رب العمل والعامل عن مخالفة قوانين الدولة، ومن ثم معالجة ظاهرة تجارة الإقامات من خلال قانون الاقامة الجديد والمعروض على مجلس الأُمة، فتلك اللجنة تعمل بحكمة وسياسة حل الأمر الواقع، فكل الشكر والتقدير لمعالي وزير الداخلية طلال الخالد، واتمنى ان اراك في الحكومه القادمه لتنهي ما بدأته من اصلاحات، وكذلك أتمنى من مجلس الأمة المتسرع والعاطفيّ والمنتقم أحياناً أن يتعلم من لجنة بوخالد كيف تعالج الأمور.

***

أبارك للشيخ الدكتور محمد صباح السالم ثقة سمو الأمير، حفظه الله، وأسأل الله أن يعينه على حمل الأمانة.

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء التاسع من يناير 2024 (الرابط الإلكتروني).

لجنة بوخالد   -  PDF