قصة مسجد

essay image

جامع العثمان في النقرة يحكي العديد من القصص بين جدرانه، فهو جامع أهل الكويت قاطبة، وهو من أوائل المساجد في الكويت التي بُنيت على الطراز المعماري الحديث في نهاية الخمسينيات والذي افتتحه المرحوم الوالد عبدالله عبداللطيف العثمان عام 1961 برعاية وحضور المرحوم الشيخ عبدالله المبارك والكثير من أهل الكويت، وهو الجامع الذي انطلق منه العمل الخيري المؤسسي ومنه تعلم الكثير أصول الدين على يد كبار المشايخ، وأذكر منهم الشيخ حسن أيوب - رحمه الله - الذي تولى إمامة المسجد والإرشاد به خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وللتاريخ يعتبر الشيخ حسن أيوب من أعمدة الدعاة لحزب الإخوان المسلمين في الكويت، وتأسست تحت يده أول لجنة تُعنى بجمع الزكوات والصدقات، والتي أطلق عليها اسم لجنة زكاة مسجد العثمان، والتي تحور اسمها لاحقاً إلى لجنة زكاة العثمان، وهي تتبع الآن جمعية النجاة الخيرية، كما تبين لي من السجلات المالية للمرحوم أنه هو من بنى الجامع وأشرف عليه وليس عن طريق شركة مقاولات، وتبرع بأرضه الخاصة لبناء المسجد والذي بلغت تكلفة بنائه آنذاك مليونيَ روبية، أما الأرض البالغة مساحتها 5000 متر مربع فقد بلغت تكلفتها مليون ونصف مليون روبية، وقد حرص رحمه الله على توثيق تجهيز وافتتاح الجامع بأحدث تقنيات التصوير حينها بالتعاقد مع المخرج محمد إبراهيم حسن بمبلغ 40 ألف روبية؛ وتأتي القصة الحزينة للجامع بعد وفاة المرحوم وإهمال المسجد من بعده، وأصدق تعبير عنها خاطرة نُشرت في جريدة الرأي العام بتاريخ ١–١–١٩٦٧م، حملت اسم «المئذنة المظلمة»، ولم أتعرف على كاتبها، ولكنها تروي هذا النص: «قال لي: ليلة وصلت الكويت، والطائرة تقترب بنا من المطار لم تلتصق في عيني سوى تلك الأضواء الخضراء تتصاعـد بالنور من مئذنتين، وسألتُ فقيل لي، هذا هو جامع العثمان، تظل مئذنتاه تشعان طوال الليل وعلى مدار العام، وفي هذا العام مات عبدالله عبداللطيف العثمان، ومن يحدق في المئذنتين يعرف أن الظلام يحيط بهما لا تحرقه سوى بضعة خيوط من نور الكهرباء، نعم لقد مات ذلك الرجل، ولكن أليس في الكويت عثمان آخر يضيء هاتين المئذنتين؟ فلا يُقال إن عبدالله العثمان وحده كان ينير الطريق للقادم عبر الأفق»، وأستكمل القصة الحزينة في الإهمال الذي تم في المسجد ففي عام 1970 أُزيلت لوحات الآيات القرآنية التي كانت في المسجد والتي تقدر بـ 14 لوحة ولم تسلم منها إلا واحدة، وذلك بحجة وجود أخطاء لغوية حسب ما ورد بسجلاتنا «وهل يعقل ذلك!»، وفي عام 2002 تم ترميم الجامع من قبل وزارة الأوقاف ولهم جزيل الشكر والامتنان، ولكنْ للأسف المعماريون الذين أشرفوا على ذلك الترميم لم يأخذوا بالاعتبار الطراز المعماري الكويتي، وإن كانت لهم وجهة نظر معمارية نحترمها إلا أنهم أضاعوا الكثير من هوية الجامع، وتمت إزالة الثريات الكريستالية والتي بلغ عددها 21 ثرياً، ولم يتبقى سوى الثريا الرئيسية، ولكن وبعون الله لن تكون قصة الجامع إلا قصة مضيئة كما أرادها صاحب الجامع، إذ نقوم حالياً مع فريق من المتخصصين لإعادة الجامع كما كان وأجمل، ليعود جامع العثمان مضيئاً في نهاره وليله، ويكون منارة علم وإيمان يقصده القاصي والداني، إضافةً إلى ذلك هنالك جهدٌ كبير يقوم به كوكبة من الشباب الكويتيين، فالمعمارية زهراء علي بابا والمهندس محمد خمشير من المختصين بالمباني التراثية ويعملان تطوعاً على المحافظة والتدوين لهذا المسجد التاريخي ليُسجل على قائمة المباني الأثرية بمنظمة اليونسكو، وقد يكون بذلك المبنى الأول من الكويت الذي يسجل على تلك القائمة، وكذلك تشارك المخرجة الكويتية الشابة هيا الغانم بإعداد فيلمٍ وثائقيّ يدوّن تاريخ المسجد ومراحل ترميمه وإظهار أهميته التاريخية ليظهر مدى اهتمام الكويت بالمحافظة على تراثها وذلك باللغتين العربية والإنكليزية، وللعلم فَهيا الغانم صانعة أفلام كويتية مقرها بين مدينة نيويورك ومدينة الكويت، وعرض لها أفلام قصيرة عدة في مهرجانات سينمائية عالمية، كما تشارك كلية العمارة بجامعة الكويت بتطبيق أحد أبحاثها بتكرير مياه الوضوء وإعادة استعماله لري الزراعة، كما سيحوز هذا الجامع على نصيبٍ من مشروع توليد الطاقة الكهربائية من خلال الطاقة الشمسية، إضافة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي (smart mosque)، وتلك باختصار بعض من قصة ذلك المسجد.. مسجد العثمان والتي سوف نسرد العديد منها من حينٍ لآخر. فكل الشكر والتقدير لوزارة الأوقاف وللقائمين على ثلث المرحوم الوالد ولكل جهاز الإشراف ولكل من ساهم وسيسهم بإنجاز هذا المشروع الكبير..

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء السادس عشر من يناير 2024 (الرابط الإلكتروني).

قصة مسجد  -  PDF