الوسطية.. وحسن الخطاب

essay image

ولدنا ولله الحمد في وطنٍ يُقدر الحريات والتنوع ويحترم الآخر، فمنذ نعومة أظفارنا تعلمنا في مدارسنا وفي بيوتنا الوسطية والاعتدال وحب الآخر المختلف، وقبل البدء لا بُدَّ من الإشارة عزيزي القارئ إلى مفهوم الوسطية وفق ما جاء في الكثير من المراجع وأُلخصه بهذه العبارة، «الوسطية هي الاعتدال والاستواء والاستقامة والتوسط بين حالتين»، وقد جاء في الحديث الشريف «خير الأمور أوسطها»، وواسطة العقد تكمنُ في جوهره الذي في وسطها وهو أجودها، ونظراً لأهمية الوسطية والاعتدال والتعايش في الكويت والتي لا تقل أهميةً عن سائر الأولويات عندنا ارتأيتُ أن أتطرق لهذا الموضوع في هذا المقال، فقد سمعنا منذ مُدة عن محاولةٍ لزعزعة الأمن والاستقرار في الكويت من خلال زرع بعض الفئات لتنفيذ أعمالٍ تخريبية في الشارع الكويتي ظناً منهم أن المجتمع الكويتي سينجرف خلف هكذا فتن ومحاولاتٍ نابعةٍ من ثقافةٍ ظلامية لا تمت لديننا الحنيف بِصلة، ولربما نسوا أو تناسوا أن مثل هذه الأعمال التخريبية لا تزيد الكويتيين إلا تكاتفاً وإصراراً على مبدأ الوحدة ونبذ الثقافة الظلامية النائمة والتي تنشط من حينٍ لآخر لتثير الفتن وتزعزع الأمن، فسبق وأن كان لنا تجربة مع تلك الهجمات عام 2015 حينما امتدت يد الإرهاب إلى جموع المصلين الأبرياء في مسجد الإمام الصادق بمحاولةٍ يائسة لم تزد الكويتيين إلّا إصراراً وصلابةً وتماسكاً في مواجهة مثل تلك أعمال، فلم ننس دور صاحب السمو المرحوم الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح –رحمه الله تعالى- حينها في تجسيد اللحمة الوطنية بنزوله إلى موقع الحادث على الرغم من خطورة الوضع الأمني يومها لتفقد الضحايا وقال حينها في أبلغ تعبيرٍ أبوي وبعفويةٍ صادقة «هذولا عيالي»، هذه العبارة التي وأدت الفتنة منذ البداية، فشعبنا ولله الحمد يملك من الوعي والرشد ما يكفي لعدم الانجراف وراء أي فتنة تهدف لزعزعة السلم الأهلي في الكويت، ولكن بحكم موقعنا وسط ساحة عربيةٍ ملتهبة فمثل هذه الأحداث من المُمكن أن تتكرر في المستقبل، والطائفية من المُمكن أن تنفجر في أي وقت، لذا من الواجب علينا أن نبقى على هذه اللحمة والتكاتف والتوجه وألا نؤجج أو نسمع لأي عملٍ فئويٍّ هدفه إشعال الساحة الداخلية بنار الطائفية والفئوية، وأن نحرص على حسن الخطاب المبني على الوعي الفكري المعتدل الذي يواجه الغلو والتطرف ويعزز من ثقافة الحوار والتقارب والتعايش، وأن نولي الخطاب داخل مجلس الأمة والذي من المفترض أن يُعزز الأخلاق ويغذي الوسطية أهميةً أكبر بجعله حواراً بنّاءً لا يخرج عن حسن التخاطب والأخلاق التي جُبلَ عليها أهل الكويت وأقول لبعض نوابنا الأفاضل ان الأسلوب بالتخاطب الذي يخرج احيانا عن اللباقة وبه من التجريح ما به مع الوزراء ومع زملائكم ما يخدم رسالتكم ولا يخدم هذا الوطن ولا راح يوصلنا الي نتيجة فعليكم بالاخلاق ثم الاخلاق فهي الخلاص، كما ولا بُدَّ لنا من تعزيز ثقافة الوسطية وحسن الخطاب وحب الوطن أكثر لدى الأجيال الناشئة والحديثة وبشكلٍ أعمق وأكبر كأساسٍ يُفرض عليهم من خلال موادٍ تُدرَّس في المدارس ومن خلال الأنشطة المدرسية والمشاريع التوعوية في المجتمع ومن خلال وسائل التواصل، وفي هذا السياق لا بُدَّ لنا من أن نتوجه بالشكر الجزيل لرجال الأمن الذين يشكلون خط الدفاع الأول عن أمن الكويت ومواطنيها والمقيمين فيها لجهودهم الدؤوبة والمبذولة في سبيل ردع كل من يحاول العبث بأمن واستقرار البلاد، ونسأل الله الأمن والأمان لهذا الوطن وأن يديم علينا هذه النعم، وهنا تستحضرني قصيدة دوَّنها والدي –رحمه الله تعالى- في ابتهالٍ لوطننا الحبيب إذ قال:

أنتِ يا سمراء يا أرض الوطن صانكِ الله تعالى من خطر

إنني أدعو إلهي بابتهال سائلاً منهُ غداتي والسّحر

أن يصونَ العرضَ من شرِّ العدى تحت أعلامٍ ترفرفُ للنظر

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثالث عشر من فبراير 2024 (الرابط الإلكتروني).

الوسطية.. وحسن الخطاب -  PDF