درّة الخليج

essay image

مع اقتراب الأعياد الوطنية، التي يترقبها الكويتيون عاماً بعد عام، تبدو الأعياد هذا العام مختلفة عن سابقتها، فالبلاد تعيش حالة إيجابية غير مسبوقة، فكل أنظمة البلاد تخضع لعملية إعادة هندسة للنظم والقوانين والإجراءات، نفضة سريعة وحازمة لرشقنة هيكل الدولة ونقلها إلى أفق جديد، ونفض غبار الماضي عن كاهلها لتعود صفحة بيضاء من دون أي شوائب درّة الخليج كما كانت، وعلى الجميع حباً لهذا الوطن الالتزام والتعاون، ودعم تلك التغييرات بالعمل الجاد والالتزام وإفساح الوقت للنتائج، فالكويت تستاهل التعب والتضحية، وكما تفيض المشاعر حباً واعتزازاً بهذا الوطن الغالي وقيادته الحكيمة، لكل فردٍ طريقته في التعبير عن هذا الحب، وقد اخترت أن أشارك القارئ الكريم قصيدة خالدة من أرشيف والدي المرحوم عبدالله العثمان، كتبها بتاريخ 22 يوليو 1962، في منطقة بحمدون اللبنانية، إنها قصيدة «غادة الأحلام»، التي سكنت ذاكرتي لجمال تعابيرها وعذوبة ألفاظها، وهي إحدى دُرر ديوان المرحوم، الذي زخرت صفحاته بأشعار تحمل بين طياتها تجربة عميقة ورؤية وطنية وإنسانية، لم يكن شعره مجرد كلمات، بل كان نبضاً يحمل معاني الولاء والانتماء، يمتد من حب الوطن، ليصل إلى فضاءات الإنسانية الرحبة.

في هذه القصيدة، يبوح الشاعر بجُلّ مشاعره لوطنه الحبيب، ويهديها إلى سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، بمناسبة استقلال الكويت، ومن مطلعها نقتطف هذه الأبيات:

قِفْ بِالرُّبُوعِ وَحَيِّهَا بِسَلامِ

وَانْشُدْ فَدَيْتُكَ لَوْعَتِي وَغَرَامِي

وَاذْكُرْ بِرَبِّكَ مَا تَرَى فِي مُهْجَتِي

ثُمَّ أَخْبِرَنْ عَنْ حَالَتِي وَسَقَامِي

يَا غَادَةَ اْلأَحْلاَمِ أَنْتِ كُوَيْتُنَا

كُونِي عَلَى ثِقَةٍ بِعَزْمِ هُمَامِ

عند التمعّن في هذه الأبيات، نجد أن الشاعر يصوّر عزيمة أهل الكويت وإصرارهم على مواجهة التحديات، مؤمنين بأن الالتفاف حول القائد هو السبيل لعبور كل الأزمات، وكأن هذه القصيدة لم تكتب فقط لذلك الزمن، بل هي رسالة خالدة لكل الأجيال، تعبّر عن هوية الكويت وأصالة شعبها، وما يميز القصيدة، إلى جانب معانيها الوطنية العميقة، هو افتخار الشاعر بموطنه، مجسداً مشاعر كل كويتي تجاه هذا البلد، الذي خط أبناؤه أجمل قصص الحب والولاء لقيادته، كما نلمس في الأبيات تأثره بالأسلوب الشعري الكلاسيكي، حيث يبدأ بذكر الديار والوقوف على عتباتها، ناشداً حب الوطن، ليخاطب كل قارئ بأن ينقل مشاعره إلى العالم أجمع:

«يا غادة الأحلام أنتِ كويتُنا

كوني على ثقة بعزم همام»

فهذا الوفاء يتكرر في أبيات أخرى، حيث يصف القادة الحكماء، والروح الجماعية التي تجمع الكويتيين حول أميرهم، خاتماً القصيدة بالعاطفة الصادقة نفسها، التي بدأ بها، وكأن الشوق للوطن لا ينتهي، والفراق عنه لا يزيد إلا الشغف والحنين:

«يا غادة الأحلام إن البعد أقلقني

وزادني الهجر أشجانًا بآلام»

ثم يختتم بالدعاء للكويت وشعبها، متمنياً لها دوام الأمن والاستقرار:

«كذلك الشعب إخواني بأجمعهم

وفيهم صحبي وخلاني وأرحامي

أرجو الإله بفضل منه يكلؤنا

أمين قولي معي يا غادة الأحلام»

واليوم، ونحن نعيش في زمننا هذا، نرى أن حب الكويت لم يتغير، بل ازداد رسوخاً في القلوب، متجسداً في وحدة أبنائها وحرصهم على رفعتها، فكما كتب المرحوم عبدالله العثمان قبل أكثر من ستين عاماً، لا تزال الكويت درّة الخليج، وغادة الأحلام التي لا تغيب عن أفئدة محبيها، ندعو الله أن يحفظ سمو الأمير، وأن يديم الأمن والازدهار على هذا الوطن الغالي، وكل عام والكويت بألف خير. وبمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، نسأل الله الكريم أن يهلّ علينا هذا الشهر الفضيل بالخير واليمن والبركات، ورمضان كريم، وتقبّل الله طاعتكم.

وتسلمون.

جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الخامس والعشرون من فبراير 2025 (الرابط الإلكتروني).

درّة الخليج -  PDF