الترشيد في مسجد العثمان

نستكمل اليوم ما كنا قد تطرقنا إليه في المقال السابق «الكهرباء والمواطن»، والذي تناولنا فيه أزمة الكهرباء وما يصاحبها من تحدياتٍ مختلفة، لنشرك القارئ العزيز بتجربةٍ علمية ومدروسة طبقناها في مسجد العثمان في حولي، بالتعاون مع وزارة الأوقاف وجامعة الكويت، والتي نأمل أن تكون بمنزلة «سفينة المقدمة» لموضوع ترشيد الطاقة والماء في مساجد الكويت، فحينما بدأنا في مشروع إعادة تأهيل مسجد المرحوم عبدالله العثمان في النقرة، ارتأينا أن نجعل من هذا المشروع، إضافة إلى المحافظة على التراث، تجربة حقيقية لما يُسمى بـ«المسجد الذكي» والصديق للبيئة، هذا النموذج الذي يعتمد على استخدام أحدث التقنيات لتحقيق كفاءة عالية في استهلاك الموارد، وذلك من خلال دمج الأنظمة الذكية ونظام إدارة المباني المعروف باسم BMS الذي يتيح التحكم الآلي في جميع أنظمة المسجد، من إضاءة وتكييف وأنظمة أمان وأنظمة توفير الماء وعملية إعادة تدوير المياه واستخدام عدادات الماء الذكية، بطريقة مبرمجة مسبقاً تضمن الاستخدام الأمثل للطاقة ومرتبطة بادارة المباني في محفظة العثمان، والتي سوف تكون مسؤولة عن نظافة وصيانة الجامع، فعلى سبيل المثال، يقوم النظام بتشغيل الإضاءة والتكييف قبل وقت الصلاة بفترة محددة، ويرفعها في الأوقات التي لا يكون فيها المسجد مشغولاً، مما يوفر كميات كبيرة من الطاقة دون التأثير في راحة المصلين، وكما نعلم جميعاً بأن الكويت تحظى من خلال موقعها الجغرافي بمستوياتٍ عالية من الإشعاع الشمسي، قد تصل فيه نسبة سطوع الشمس خلال فصل الصيف إلى 10 ساعات تقريباً، الأمر الذي يستدعي الاستفادة من هذه الأشعة الشمسية وتحويلها إلى طاقة كهربائية، لذا سعينا لتوفير الطاقة في مسجد العثمان من خلال تثبيت ألواح الطاقة الشمسية فوق سطح المسجد وتوليد 40 كيلوواطاً، وبذلك سيتم ربط الطاقة المتولدة عن الألواح الشمسية بالحمل الكهربائي الأعلى، بحيث نستفيد منها في تغذية ماكينات التكييف صيفاً وتغذية سخانات الماء المركزية شتاءً، وبذلك سيتم توفير، وفق الدراسات، ما يقارب الـ%28 من الأحمال الكلية للمسجد، وقد رُوعيَ عند توصيف أجهزة التكييف انتقاء الأجهزة التي تستهلك أقل قدر من الطاقة، وقد أرفقنا هذا المشروع بمشروع آخر لتحويل جميع إضاءات المسجد إلى إضاءات LED الموفرة للطاقة عدا عن استعمال مجسات الإضاءة، بمعنى الاضاءة في غرف الخدمات والمنارات، وكذلك الحمامات تضاء عند اسشعار حركة الإنسان، ولم يقف عملنا عند حدود الكهرباء، بل تمت مراعاة أيضاً موضوع المياه، إذ إن مشكلة نقص المياه من أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم وتزداد حدتها مع التغيرات المناخية والنمو السكاني المُتسارع، ويقال إن معدل استهلاك مياه الوضوء ٦ ليترات لكل مصلٍّ، طبعاً هذا رقم كبير، ويمكن ملاحظته بكل وضوح، فالكثير من المصلين للأسف يهدرون المياه أكثر مما يتطلبه الوضوء، وبعضهم يتركون الحنفيات دون إغلاق محكم، فيظل الماء يسكب بالمجاري الى حين ينتبه الحارس ويغلق الحنفيات وللتصدي لهذه المشكلة برزت أمامنا العديد من الحلول المُبتكرة ومن بينها نظام إنتاج المياه الرمادية GRAYWATER لتدوير المياه المستخدمة، إذ يُعد هذا النظام مثالاً رائعاً، ومن الحلول المستدامة التي يُمكنها أن تُسهم في مواجهة تحديات نقص المياه، وتحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة، إذ يمكن لهذا النظام أن يوفر ما يصل إلى %50 من استهلاك المياه اليومي، وبمعنى آخر، أن المياه المستعملة في الوضوء وغسل الأيادي ما تنهدر بل تستخدم مرة ثانية بعد معالجتها في سقي النباتات والتنظيف وخزانات صرف «المراحيض»، وتخيلوا معي لو كل مساجد الكويت تطبق النظام نفسه، كم سنوفر من الطاقة؟! وكيف سنسهم بدورنا في تحقيق رؤية الكويت للاستدامة البيئية، والتي لا تقتصر على المشاريع الكبرى فقط، بل تتحقق أيضاً بالخطوات الصغيرة والمدروسة، ولعل في تجربتنا في مسجد المرحوم عبدالله العثمان في النقرة، من إلهام للآخرين، لاتخاذ خطوات مشابهة ومماثلة، تسهم جميعها في الحفاظ على بيئتنا ومواردنا الطبيعية لنا ولأجيالنا القادمة.
وتسلمون.
جريدة القبس في عددها الصادر الرابع والعشرون من يونيو 2025 (الرابط الإلكتروني).
الترشيد في مسجد العثمان - PDF




