استمتعت بقراءة مقالة الكاتبة هنادي المرزوق، التي جاءت تحت مسمى «حديقة العدالة الجوراسية في الرقعي»، التي لخصت فيها تجربتها مع هذا المبنى العتيق. ولكون لدي تجربة سابقة تحاكي واقع هذا المبنى، ولكن بمنظار آخر وددت الإضافة. فقد وقع تحت ناظري إعلان من وزارة المالية يعرضون من خلاله رغبتهم في استئجار مبنى لإحدى مؤسسات الدولة، وبموجب مواصفات محددة تطابقت مع مشروع برج المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان العائد إلى ثلث ماله الخيري، وتقدمنا بمثل ما تقدم الآخرون، وجاء الرد سريعاً بالموافقة.
ومن هنا تبدأ القصة. باختصار كان لي اجتماع مع قياديي ومديري وزارة العدل بدعوة كريمة منهم، وقد لمست منهم القدرة والرغبة الصادقة في تطوير منظومة العمل، وحل المشكلة القائمة، ولم أرَ أي تخاذل أو تقصير. بل وجدتهم أسرى لسياسات وأنظمة متهالكة لا يعلم أحد متى، ومن أين أتت متراكمات عفا عنها الزمن؟!
في خضم هذا وذاك، ونقاش لا طائل منه وأثناء الاجتماع أخذتني الذاكرة قليلا الى أيام سبقت، حيث كنت في رحلة إلى المملكة المغربية بدعوة كريمة من بيت الزكاة، للوقوف على مشاريع خيرية هناك، وكانت لي جولة من مراكش إلى تطوان برفقة الفاضل د. خالد الشطي وابنتي إيمان. وكانت المفاجأة كبيرة عند رؤيتي الطريق السريع الذي يربط ما بين المدينتين وبطول يفوق 700 كيلو متر، الذي لا يقل جودة عن أي طريق سريع في أوروبا، وكانت الدهشة أكبر عند رؤية مترو الرباط ونظافته وألوانه الجميلة.
ولم أصدق عيني لدى رؤية ميناء طنجة ـــ الأكبر في حوض البحر المتوسط ـــ وهو في مراحله الأخيرة، وشدت ناظري طواحين الهواء الممتدة على مدى البصر على أعالي جبال الشمال مولّدة كهرباء نظيفة، عدا عن المحطة الأكبر في العالم لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في صحراء مراكش.
وفي تطوان كان لنا لقاء مع محافظ الشمال، وقد استهل ترحيبه بتقديم الشكر لدولة الكويت لمساهمتها الكبيرة في تمويل المشاريع التنموية في المغرب، وذكر ـــ على سبيل المثال ـــ تمويل صندوق التنمية الكويتي لتنفيذ هذا الطريق الممتد من مراكش إلى تطوان. وفي الواقع صعقت لما سمعت، خصوصاً أني قبل أيام من الرحلة أبدلت الزجاج الأمامي لسيارتي نتيجة تطاير الحصى من طرقنا السريعة، وكذلك فعل كل من هم في البيت! وهنا تراءت لي فكرة قد تحل مشكلة المجتمعين، وقلت لهم: عندي الحل.. لم لا يقوم صندوق التنمية الكويتي بإقراضكم مبلغ تجهيز وتأثيث المبنى؟! لم يرق هذا الحديث للمجتمعين، ولم أقصد به فكاهة أو تندراً.
فكيف للكويت أن تنّفذ ـــ من خلال مؤسساتها مثل صندوق التنمية الكويتي، وكذلك بيت الزكاة ـــ مشاريع حول العالم، وبرقابة وإشراف متميزين، بينما نحن في الكويت نعاني ما نعانيه؟!
والله، أشفقت عليهم، وأشفقت على نفسي، وأشفقت على وطني.. أسير في حديقة جوراسية.