بكى وأبكى

 

 

 

 

على هامش جائزة العثمان لحفظ وتجويد القرآن الكريم في المغرب، تحت إشراف بيت الزكاة، خصصنا جائزة موازية لذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك للأيتام المكفولين من قبلنا. فحفظ القرآن الكريم وتجويده يجب ألا ينحصرا في الحفاظ المتمكنين والذين يحصدون الجوائز دوناً عن الآخرين، ما من شأنه أن يسبب الإحباط والعزوف لدى الكثيرين، وكذلك خفضنا سقف سن الاشتراك إلى 25 عاماً. وفي تطوان شارك 450 متسابقاً ومتسابقة من كل أنحاء المملكة، وكان لـ «الفيسبوك» الدور الرئيسي لإنجاح تلك الجائزة وفتح المجال لمن هو في أقصى الريف أو أدنى الصحراء. وكانت المفاجأة الكبرى في ما رأيت من تفوق وإعجاز لذوي الاحتياجات الخاصة، فالفائز بالمرتبة الأولى معاق يصعب عليه التوازن بالمشي، ويعاني ضعفاً بالنطق، لكنه من حفّاظ كتاب الله تعالة. نعم، يحفظ القرآن الكريم مع إعاقته الشديدة. صعد المنصة وقدّم كلمة قد يكون من الصعوبة فهمها من الوهلة الأولى، ولكن مع التركيز فهمنا ما يقول. تكلم عن الإعاقة وأبدى مدى فرحه بتلك الفرصة وبتلك الجائزة، وشكر الكويت وأهل الكويت، وترحّم على والدي، فبكى وأبكى من حضر. 

والمتسابق الثاني أيضاً معجزة، فقد قدّر الله تعالى له أن يولد بلا يدين، ولكن أبى إلا أن يحفظ ويكتب القرآن على ألواح الخشب مستعملا الفرشاة وأصابع قدمه. أما الثالث فيتيمٌ وضرير لا يتجاوز الاثني عشر عاماً ومن حفّاظ كتاب الله. ولن يسع المقال سرد ما رأيت وسمعت، وبعد الحفل ونحن على موائد الطعام لم ألحظ ابن اخي عبدالله على أي من تلك الموائد، فقد ترك الأصحاء وذهب يشارك ذوي الاحتياجات الخاصة الطعام، وقد أتاني بعلمٍ جديد، وقال: «في ختام الحفل، أشار عليّ أحد ذوي الاحتياجات الخاصة برغبته في الحديث معي، وإذ به يقدّم لي ورقةً مكتوباً عليها، أعجبتني كلمتك وأنا مدرب متخصص في تنمية الذات، وأرغب في التواصل معك، التوقيع طارق أبوأحمد، فشكرته لتلك اللفتة الجميلة، وشاركته العشاء، وانتهزت الفرصة للجلوس معه والتعرف عليه أكثر، فوجدت مدربا لديه قناة خاصة بــ «اليوتيوب»، حيث يعرض سلسلة حلقات «كن ناجحا»، هو مقعد، وطريقة كلامه تحتاج إلى تعود من سامعها، لكن لم يمنعه ذلك من مواصلة مشاركة نوره مع الآخرين».

معاق معلم للأصحاء.. سبحان الله! ذهبنا لنعلم، ووجدنا أنفسنا نتعلم! ومن هناك قررنا توجيه جائزة العثمان في الكويت هذا العام لذوي الاحتياجات الخاصة، وأخرى للأطفال تحت مسمى «جزء عمَّ»، وكم تمنيت حضور كوكبة من أبناء الكويت لمثل تلك التجمعات الخيرية للوقوف على ما أنعم الله تعالى به عليهم من صحة ونعمة وأمن وأمان، بلدٌ طيب وربٌّ غفور.

المصدر: جريدة القبس ٥ مايو ٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني )

بكى وأبكىPdf