كويتي بسيط، وكما يقال من أهل الله، لكن له قصة كفاح تستحق الكتابة. اللقاء الأول لي معه كان في منتصف الثمانينات إبان عملي في قطاع الائتمان بأحد البنوك، واستغربت طلبه لحدود اعتمادات تصدير، وهذا شيء غير مألوف، فالكويت تستورد ولا تصدر! فمازحته بالسؤال: ماذا سوف تصدر؟ نفط؟! فأجابني ضاحكاً: لا، جلود، لدي مصنع للدباغة. ودعاني لزيارة المصنع، وكان ذاك. واستغربت أكثر حين وجدت، بالإضافة إلى مكتبه، غرفة نوم، وفضولي لا حدّ له، فأجاب: أبات في المصنع حتى يتسنى لي الإشراف على العمل من بعد صلاة الفجر. ولماذا الجلود؟ أجابني بأنها ثروة تهدر كل يوم ومعظمها يحرق. وقد استطاع الحصول على امتياز لدباغة وتصدير تلك الثروة المهدرة. وأنا كمصرفي تلك القصة هي لي كنغم الموسيقى: مادة خام متوافرة محلياً، وتصنيع غير معقد، ولا يتطلب رأسمال كبيراً، والأهم رجل ملتزم بعمله. ولم أجد صعوبة بدعم نشاطه الصناعي، وبفترة وجيزة كبر المصنع وازداد التصدير إلى إيطاليا، وتنبه التجار إلى تلك الثروة وأخذوا بالضغط على أجهزة الدولة واتهامه بالاحتكار. وللأسف الشديد، قاد تلك الحملة أحد أعضاء مجلس إدارة مصرف اطلع على البيانات المالية لمصنع بو صالح بحكم منصبه. ولن أطيل فقد أُخذَ المصنع من بو صالح ودفع له هؤلاء التجار تعويضاً له، وخرج من مصنعه، لكن الله فتح عليه أبواب الرزق من حيث لا يحتسب. وانقطعت بهذا أخبار بو صالح، إلى أن جاءني اتصال منه يطلب استشارة مالية، وبطبعي لا أبخل على أحد بالاستشارة، وسألته: «وين أرضك بو صالح من زمان ما شفناك؟»، قال: «مع بناتي وأولادي، أكسيهم وأدرسهم وأزوجهم».. الصراحة ما فهمت. خبري ببو صالح جد وله أحفاد وسألته: ما شاء الله كم ولد عندك؟ فأجاب خمسمئة ولد وبنت! زين، شلون خمسمئة؟ فأجاب بأنه كافل خمسمئة يتيم في لبنان والأردن والمغرب ويشرف عليهم شخصياً ويتابع دراستهم ويكسيهم ويزوجهم، ووضع عمارات وقف عليهم حتى لا تتقطع بهم السبل بعد وفاته. لله درك يا بو صالح! رجل يعمل بصمت لله سبحانه تعالى، لا يطلب اسماً ولا شهرة، وحديثه كان من القلب، قلب كبير، وتدمع عيناه بحديثه عمن ليس له «بابا وماما»، كما يقول بأسلوبه البسيط. ويا ليت مَن حسده من تجار على مصنعه أن يحسدوه على ما يقوم به من عمل صالح، ويحذو حذوه فكما يقال «تالي العمر موت والكفن ما له جيوب».
بو صالح يقول: ولدت بلا مال، والله رزقني، فلمَ لا أنفق من مال الله؟! وأقول: يا بو صالح أنت مخطئ، أنت ولدت غنياً بأخلاقك وقلبك الكبير، وكرمك غنى يفتقده الكثير.