قواعد العشق الأربعون
من أجمل لحظات حياتي مرافقة والدتي في السفر، سواء للسياحة أو العلاج. وهذه المرة كانت وجهتنا إلى دبي لإجراء عملية تبديل للركبة بعد العملية الأولى في هيوستن قبل 10 سنوات، والتي اضطررنا لاستبدالها، لأن الطبيب الأميركي، الله يجازيه، أخطأ في اختيار نوعية المفصل، مما اضطرنا الآن إلى تبديله. وكان من المفترض أن تتم العملية في لندن، إلا أنّ وقوع خطأ طبي في الفحوصات اضطرني إلى إلغاء العملية. وبعد إجازة جميلة في لندن مع الحجية، قررنا عمل العملية في دبي، وحتى تاريخ كتابة المقال لم تتم العملية، ولذا فسوف أرجئ الكتابة عن تلك التجربة إلى حين استكمال كل أركانها. لكن أكثر ما يشدني في تلك الرحلات، هو وجود الوقت الكافي للتأمل والقراءة. وفي إحدى مكتبات دبي، وقعت عيناي على كتاب «قواعد العشق الأربعون» عن جلال الدين الرومي للكاتبة التركية المزيونة أليف شافاق. وطبعاً كان الدافع لشرائه ليس اهتمامي بالفكر الصوفي وما له وما عليه من جمال او انحراف فقط، بل أيضاً كون الكتاب ممنوعاً من النشر في الكويت. وفعلاً الشغلة صارت تضحك عندنا تمنع الكتب لأسباب لا يعلمها أحد، وهي أصلاً موجودة في الخليج، وكذلك متوافرة على النت. واللي يحب يقرأ كتاب لن تمنعه تلك الرقابة العمياء. ولو ركزوا جهود المنع على التدخين، لكان أفضل بكثير وفيه فائدة أكبر. ونرجع لكتابنا، فبجرأة القرن الحادي والعشرين، دلفت الكاتبة إلى عالم المتصوفة من القرن الثالث عشر ميلادي. فتُزاوج أليف شافاق في روايتها «قواعد العشق الأربعون» بين حياة المتصوف الشاعر جلال الدين الرومي، وعلاقته بالمتصوف شمس الدين التبريزي القادم من أرض فارس، باحثاً عن رجل ناسك في الأناضول التركية ليبتدعا فكراً منحرفاً صدّر إلى عالمنا العربي. وتأخذنا إلى زمن وقوع أحداثها قبل وبعد سقوط دولة الخلافة العباسية على أيدي المغول، حيث تنتهي الوقائع سنة 1260 ميلادية. والخلاصة بأنه كتاب لطيف يستحق القراءة وإن من باب الوقوف على الانحراف والتردي الذي عصف بالعالم الإسلامي والمجتمع العربي فقط. فتلك الفترة شهدت بداية أفول شمس النهضة الإسلامية وعلومها، موازاة ببزوغ فجر النهضة الأوروبية، وانتهاء عصر الظلام فيها. وبقراءة عميقة ومقارنة ذاك الزمان بهذا الزمان نرى أن آفة مجتمعنا العربي هي في ما يصدّر لنا من فكر منحرف يكون الدين ظاهره والفتنة باطنه. ولن يغفر لنا سقوط كسرى، ومن بعده قيصر، على يد العرب المسلمين.
ولنا وقفة قادمة مع هذا الكتاب، لنرى تأثير التنورة التي ابتدعها التبريزي وصاحبه الرومي، ومن بعدها نرجع إلى المستشفى والطيارة غاية كل كويتي.





